من تابع اجتماع وزراء البترول في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (اوابك) الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة في أوائل ديسمبر الماضي يلتقط مؤشراً واضحاً بأن المنظمة لن تزيد سقف انتاجها خلال اجتماعها في الثاني والعشرين من الشهر نفسه في أنغولا، وقد كان هذا واضحاً من تصريحات بعض وزراء النفط الأعضاء في (الأوبك) وفي (الاوابك) التي من أعضائها (السعودية، الامارات، الجزائر، الكويت، ليبيا، قطر، العراق) وهذه كلها دول أعضاء في الأوبك وحضر وزراؤها اجتماع انغولا، بل انهم الأعضاء الأكثر تأثيراً في المنظمة الشهيرة التي تأسست عام 1960. وأصبح قرار عدم زيادة الانتاج مؤكداً بعد تصريح وزير البترول والثروة المعدنية السعودي المهندس علي بن ابراهيم النعيمي الذي أدلى به ل «الحياة» السبت 5 كانون الأول (ديسمبر) الماضي في القاهرة قائلاً: «لن يحدث شيء ولا تغيير في الانتاج)، ولهذا التصريح أهميته، فالرجل هو الصوت الأعلى في «الأوبك»، اذ إن السعودية أكبر منتج ومصدر للنفط عالمياً ولرأيها داخل المنظمة مكانته وأهميته، فهي تعد العمود الفقري للمنظمة، خصوصاً في ما يتعلق بمعادلتي الانتاج والأسعار. وعلى الصعيد ذاته، فإن وزير البترول الجزائري الذي حضر مؤتمر (الاوابك) وفي مقابلة أجرتها معه «الحياة» في التاريخ نفسه استبعد حدوث تغيير كبير في أوضاع سوق النفط وحتى مؤتمر أنغولا، كما أن وزير النفط القطري عبدالله العطية (استبعد ان تعمد الأوبك إلى تغيير مستوياتها المستهدفة للانتاج عندما تعقد اجتماعها في انغولا) كل هذه التصريحات الواضحة أكدت بجلاء ان أعضاء الأوبك راضون عن سعر معقول لنفوطهم يتراوح بين 70و80 دولاراً للبرميل، بل ان وزير النفط السعودي قال عنه تزامناً مع اجتماع انغولا: (انه سعر ممتاز يُشعر الجميع بالرضا). وكانت تصريحات وزراء «الأوبك» الذين حضروا الاجتماع الأخير في انغولا تتفق مع تصريحات وزراء «الأوبك» الذين حضروا مؤتمر الاوابك، وبالفعل فقد قرر وزراء الأوبك في بيانهم الختامي في نهاية اجتماعهم في انغولا الثلثاء 22 ديسمبر الماضي، التزامهم بالمستويات المستهدفة للانتاج من دون تغيير والبالغة (24.85) مليون برميل يومياً. وخلال الشهرين الأخيرين كانت أسعار البترول تتراوح بين 76 و 82 دولاراً للبرميل وكانت قد ارتفعت إلى هذا المستوى بعد ان تدهورت إلى 33 دولاراً للبرميل في أوائل العام الماضي، وهي وإن بلغت هذا المعدل المرتفع بسرعة الريح على رغم الإعصار الاقتصادي الذي هز قواعد الاقتصادات غنيها وفقيرها، وعلى رغم تدني الطلب على النفط بسبب تلك الأزمة العاتية، الا ان المضاربين وجدوا في النفط ساحة واسعة للكسب السريع اذ انه استطاع ان يصمد أمام العواصف الهادرة ويستمر في الارتفاع ليبلغ ما بلغه اليوم. بل إن هذه السلعة السحرية التي شغلت العالم منذ اكتشافها عام 1859 حتى اليوم استطاعت ان تتجاوز أزمة دبي المالية الأخيرة، هذه الامارة (الشابة) التي تنتج حوالى 80 ألف برميل يومياً من إجمالي انتاج الامارات البالغ حوالى 2.4 مليون برميل يومياً، وعلى رغم تواضع إنتاجها الا انها استطاعت تقديم نفطها ليصبح مؤشراً رئيسياً للنفوط المصدرة إلى أسواق آسيا، وأسست (بورصة) لتداول النفط الخام، واذا كانت أسعار النفط قد تأثرت نسبيا بسبب أزمة دبي الا ان الأسعار عادت إلى مسيرتها مع هدوء عاصفة دبي التي خططت لنقل اقتصادها إلى عصر ما بعد نضوب آبار النفط. المهم ان أسعار النفط على رغم كل العواصف التي توافرت لتدني أسعاره وفي مقدمها تدني الطلب بسبب أزمة الكساد الاقتصادي العالمي وزيادة المخزونات منه لدى الدول الصناعية المستهلك الرئيسي وأزمة دبي الأخيرة وزيادة المعروض من النفط على الطلب في سوق النفط الدولية وغيرها من الأسباب، الا ان الأسعار بدأت في التعافي لتنتقل بسهولة من 33 لتصل الى أكثر من 80 دولاراً للبرميل، بمعنى ان الأسعار زادت خلال اقل من عام واحد بنسبة وصلت إلى حوالى 85 في المئة. وإذا كان النمو في الطلب قد ناله نوع من التحسن بعد التعافي النسبي مؤخراً في اقتصادات دول مثل اليابان وبعض دول أوروبا وأميركا، ونمو الطلب في الصين ثاني اكبر مستهلك للنفط بعد الولاياتالمتحدة الأميركية والتي سجل الطلب على النفط فيها زيادة بلغت حوالى 19 في المئة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إذ استهلكت الصين خلال ذلك الشهر (8.16) مليون برميل يومياً، فإن الأوبك من جانبها سبق أن خفضت إنتاجها (4.2) مليون برميل يومياً في سعيها لتوازن سوق النفط الدولية، فهي لا تزال تعاني من خلل في داخل بيتها، فبعض اعضائها ان لم نقل جلهم لم يلتزموا بسقف الانتاج الذي حددوه هم لأنفسهم حتى تدنت نسبة التزامهم لتبلغ حوالى 60 في المئة فقط، وفي مقدم الدول التي لم تلتزم بالحصص المقررة لها: ايران وفنزويلا وانغولا، ولذا قال وزير النفط السعودي الثلثاء 22 ديسمبر الماضي (ان المملكة تتوقع التزاماً اكبر بين الدول الأعضاء في الأوبك بالقيود المفروضة على مستويات الانتاج في أواخر العام الماضي). إن من يقرأ تاريخ الأوبك الطويل يخرج بنتيجة مؤداها: ان هذه المنظمة لكي تتمكن من جني ثمار كفاحها من اجل استقرار سوق النفط الدولية لا بد لها من أن تحقق سعراً عادلاً لنفوطها ولكي يتحقق لها ذلك لا بد ان ترتب بيتها من الداخل لتتصدى للتحديات الجسام التي تعترض طريق مسيرتها، وهذا ما فعلته المنظمة في تصديها لبعض القضايا الشائكة التي واجهتها وحددت مستقبل وجودها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عندما تفرقت بها السبل في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وشهدت سوق النفط حرباً في الأسعار فتدنت الأسعار لتبلغ (7) دولارات للبرميل لتصحوا المنظمة وتلملم صفوفها بقرارها الذي قادته آنذاك السعودية للدفاع عن سعر 18 دولاراً كمستوى أدنى للسعر وجاهدت كثيراً حتى بلغته بل وتخطته ارتفاعاً. وقد حدث في أواخر التسعينيات من ذلك القرن ان واجهت المنظمة تحديا آخر عندما انحدر سعر نفوطها ليبلغ 10 دولارات للبرميل فشمر أعضاؤها عن سواعدهم وأعادوا تنظيم صفوفهم، وبالفعل استطاعوا انتشال الأسعار من الهاوية التي تردت إليها في تلك الفترة من تاريخ النفط. واليوم فإن الأوبك حتى تحقق أهدافها وفي مقدمها سعر عادل لنفوطها يدور ما بين 70 و 80 دولار للبرميل، فإن إبقاء سقف إنتاجها من دون تغيير في الاجتماع الأخير يعد أمرا مهماً، إضافة إلى التزام الاعضاء بحصصهم 100 في المئة كخطوة مهمة لتقليص الإمدادات النفطية تماشياً مع التدني الذي حصل على الطلب بسبب الكساد الاقتصادي ، هذا اذا رغبت الاوبك في المحافظة على الأسعار الحالية، بل وتحسنها ارتفاعاً مع موسم هذا الشتاء. أما إذا استمر بعض اعضاء الأوبك كإيران وفنزويلا وانغولا وآخرون يتجاوزون حصصهم الانتاجية، ليخرقوا اتفاق الحصص بتجاوزه لجني المزيد من الأموال على حساب دول أخرى، فإن هذا ضد مصالح الأوبك التي تهدف من وراء عدم تغيير سقف انتاجها إلى جلب مزيد من الاستقرار لأسعار النفط بل وتحسنها في هذا العام الجديد بعد ان تمسكت بخفضها السابق 4.2 مليون برميل يومياً. وإذا نظرنا إلى حال الاقتصاد العالمي الذي بدأ يتعافى نسبياً، وان كان لا يزال في مرحلته الضبابية، فإن بقاء الأسعار بالحدود الحالية بين 70 و80 دولاراً والتي يبدو انها مرضية للمنتجين والمستهلكين، على رغم أن تدهور سعر صرف الدولار يلحق ضرراً بليغاً في مداخيل الدول المنتجة، ولكنه على الجانب الآخر يسهم في دفع عجلة نمو الاقتصاد الدولي في مسيرة مرحلة التعافي وان كانت بطيئة، وفي تعافي هذا الاقتصاد العليل فائدة لكل أطراف المعادلة النفطية. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية.