بدأت الساحة الفنية السودانية في عام 2009 تستعيد الكثير مما فقدته طيلة العقدين السابقين جراء السياسات «المتشددة» لحكومة الإنقاذ. فمع توسع هامش الحريات، تبلورت ملامح التحول الديموقراطي وبدأت الساحة الفنية تتنفس غناء وتشكيلاً ومسرحاً أكثر من أي وقت مضى. وانحسرت تلك الموجة «الساخطة» على كل ما له صلة بالفنون، خصوصاً في الأجهزة الإعلامية الرسمية، بل صارت هذه الأجهزة مصدراً مهماً لتمويل المبدعين خصوصاً المطربين منهم، اذ سجلت اغاني بعضهم بملايين الجنيهات السودانية ! ويبدو ان ما شهدته الساحة السياسية اخيراً من حراكٍ مطلبي وقانوني بين أطيافها الحزبية المتعددة انعكس على الساحة الفنية أيضاً، وخصوصاً الغنائية. فكان لافتاً جداً اللجوء إلى «المحاكم» لفض الخلافات بين بعض المطربين، إذ فُتحت عشرات البلاغات في مواجهة مطربين، غالبيتهم من الشباب، اتهموا بترديد اغاني غيرهم أو من دون إذن من الشعراء. والشيء نفسه حصل مع الفضائيات السودانية وإذاعات ال «أف أم». ويمكن القول ان 2009 هو عام «قانون الملكية الفكرية» بامتياز. ومما زاد هذا المشهد اثارةً ظهور بعض الصحف المتخصّصة بالفن للمرة الأولى في السودان التي وجدت في هذه القضايا فرصتها لزيادة مبيعاتها فتبارت في إشهارها وفضح أطرافها! ويشير رئيس الاتحاد العام للمهن الموسيقية المطرب عبدالقادر سالم في حديثه ل «الحياة « إلى ان الاتحاد فتح نحو 60 بلاغاً بالإنابة عن شعراء وملحنين في مواجهة مطربين وأجهزة إعلامية. وأضاف: «فُصل في عشرين منها وما زالت إجراءات البلاغات الأخرى مستمرة». وحول استثمار الصحف الفنية هذه الخلافات الحقوقية في الوسط الفني، قال رئيس تحرير صحيفة «فنون» هيثم كابو: «سلطنا الضوء على مظالم، ومنذ صدور صحيفتنا في 17 أيار (مايو) لم يخل أي عدد منها من شكوى مفتوحة ضد مطرب أو قناة فضائية أو اذاعة. ولجأ إلينا الشعراء والملحنون لأنهم في حاجة الى منبر إعلامي». ويعلق كابو على موجة اللجوء إلى المحاكم بالقول ان غالبية القضايا سُوّيت بطريقة اخوية وان الشعراء والملحنين قصدوا ان يلفتوا النظر إليهم وأخذ قسمتهم من شهرة المطربين. عودة البلابل وميلاد الأغاني ومن بين المشاهد المهمة في السودان في 2009، حفلات فرقة «البلابل» المكونة من 3 أخوات هن هادية وحياة وأمال. وحقّقت الفرقة العائدة الى الوطن بعد 20 عاماً، نجاحاً لافتاً ووجدت أصداء كبيرة في الصحافة الفنية. ويقول كمال يوسف رئيس قسم الموسيقى في كلية الموسيقى والدراما في جامعة السودان ان عودة «البلابل» إلى البلاد هي أهمّ حدث فني في 2009. لكن سالم يرى ان الحدث الأهمّ هو مهرجان «ميلاد الأغاني» الذي استمرت فعالياته لشهور عدة قبل ان يختتم بحضور رئيس الجمهورية في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) وقد شهد مشاركة ما يزيد عن 500 مطرب و300 عازف، وبلغت موازنته العامة نحو 340 ألف دولار. وحاز جائزته الأولى وقدرها 26 ألف دولار المطرب محمد عمر وهو من المطربين الشباب الذين قدّمهم برنامج «نجوم الغد» الذي يبث أسبوعياً على فضائية «النيل الأزرق». وغابت الجوائز الدولية عن المشهد الفني خلال 2009، عدا فوز المطرب نادر خضر بالميدالية الفضية عن اغنيته «فهموك غلط» في مهرجان القاهرة للإعلام العربي. كما كرم أهالي مدينة الحلفايا الموسيقي بشير عباس على إحرازه المرتبة الثالثة في المهرجان العالمي للموسيقي الإذاعيّة الذي نظمته الإذاعة الألمانية. لكن ما يلفت هنا هو ان مشاركات المطربين خارج القطر كانت أكثر من حضورهم المحلي، على رغم ضعف الموازنة التي تضعها وزارة الثقافة لدعم مثل هذه المشاركات. إضافة إلى المهرجانات التي نظمتها الجاليات السودانية في النمسا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والمشاركات السنوية في المهرجانات الموسيقية والغنائية العربية. وأقامت مؤسسات سودانية وهولندية عدة «مهرجان السودان الآخر» بالتعاون مع وزارة الثقافة. لكن المشهد الغنائي المحلي حفل أيضاً بحضور مهم لمطربين وموسيقيين عالميين من المانيا وفرنسا وكوبا. لكن الحفلة الأبرز كانت لفرقة «تيريو105» الألمانية في المركز الثقافي الألماني. جائزتان للمسرح إضافة الى تقديم العروض المسرحية السودانية في مهرجانات دولية مثل هولندا واميركا ودول المغرب والشارقة والقاهرة وغيرها، تميّزت المشاركات الدولية للمسرح السوداني بكثرة الفرق المستقلة. وعلى رغم ان المشاركات لم تخل من مشكلات خصوصاً في التمويل، إلا أنها عادت بجوائز وأصداء لافتة وهو ما لم يحصل من قبل. والمهم في هذا الجانب حصول فرقة «الورشة الجوالة» على جائزتين أفضل تمثيل رجال، وأفضل نص في الدورة ال21 لمهرجان الدارالبيضاء الدولي للمسرح الجامعي عن عملها «الأخيلة المتاهلكة» من تأليف سيد صوصل، وإخراج ربيع يوسف. وإضافة إلى اختيار «الهيئة العالمية للمسرح» للعاصمة السودانية موقعاً لاجتماعها السنوي، كان لافتاً أيضاً نجاح عروض مسرحية «نسوان برة الشبكة» من تأليف عادل ابراهيم محمد خير وإخراج عماد الدين ابراهيم اذ استمرت وسط إقبال جماهير كبير منذ تموز (يوليو) الماضي ولغاية اليوم وهو ما لم يحصل مع اي عرض مسرحي منذ رحيل الممثل الكوميدي الفاضل سعيد في حزيران (يونيو) 2005.