جاء إلى الشعر من عمود الشعر. وجاء إلى الشعر من تراث يسند إلى الشاعر دور الناطق باسم الجماعة. كتبَ في الثورة والوطن، وفي الحرية والوحدة، وفي العروبة وفلسطينها، والنكبة وجراحها، والنكسة ومراراتها، وكانت شعرية الملابسات راهناً يملأ حيزاً غير قليل من فضائه الشعري. في تفصيل أول، أن «المقالح» شاعر مطبوع... شاعر تطبعه جماليات القصيدة التقليدية، فيطبعها على قصيدة التفعيلة... شاعر يراوح بين البيت والتفعيلة، ويزاوج بينهما أحياناً في القصيدة الواحدة بنوع من التجريب الذي تتجاوب فيه مهارة التشكيل الموسيقي مع دفق الحالة الشعورية. وفي تفصيل ثان، أن شعر «المقالح» شعر القضية، وأن شعر القضية يقتضي الحرارة والمباشرة، ويقتضي أحياناً ما يتخطى الوضوح إلى التوضيح. المباشرة قيد للدلالة، يتدخل الرمز لتحريرها منه، فيفلح حيناً، ويتقيد بدوره حيناً آخر. الرمز وافر في شعر «المقالح»، وبخاصة منه ما هو نابع من تاريخ وطنه. ولئن كان الرمز يشكو أحياناً من قلة الذوبان في الشعر، إنه يكشف، مرَّةً أخرى، عن أصالةٍ بعيدة الغور في الماضي، أصالة يغرف منها الشاعر بما يعتبر به الحاضر، ويتفتح له المستقبل. في المباشرة تعبوية تخلص منها الشاعر كثيراً في «كتاب صنعاء» و «كتاب الأصدقاء»، وبشكل كامل في «كتاب القرية». «كتابُ القرية» مجد شعر «المقالح». كل «لوحة» فيه موقف من مواقف الروح - القرية التي أغفت في وجدان الشاعر. فالشاعر، وهو يكتب قريته، لا يكتب مشاعره، وإنما يكتب بمشاعره. «كتاب القرية» هو الوطن الذي يضمه الشاعر إلى صدره، ويضم إليه «كتاب صنعاء»، و «كتاب الأصدقاء». في «كتاب الأصدقاء» يكتب الشاعر مراياه بأصدقائه، فيكتب الاختلاف والائتلاف، والتكامل والتقابل، في تجريب إيقاعي يستأثر فيه الشاعر بصوت موحد، من حيث تتشابك أصوات الأصدقاء. وفي «كتاب صنعاء» تبدو «صنعاء» الجميلة العظيمة معشوقة يرسمها الشاعر بقلبه، ولكنها تبقى معشوقة معقلنة. أما «كتاب القرية»، فشيء آخر... دفق انفعالي، وصور بكر، قصيدة تصفو... وشعرٌ يشفّْ. ذاك هو «المقالح»، يخلو لذاته فيصفو له الشعر، ويخلو للجماعة فيثقل جناحاه. ف «المقالح» شعره ملحمة اليمن، اليمن الذي يتجمع زماناً، ويتجمل مكاناً، وتنطبع تفاصيله في شعر يفيض عن شاعر مطبوع. و «المقالح» شاعر لا يفتأ يتطور ويطور أدواته من شعرية البيت إلى شعرية التفعيلة، ومن الإيقاع البسيط إلى الإيقاع المركب، ومن التعبوية إلى الهمس، ومن المباشرة إلى ذوب حس مرهف وعميق. ولقد كان «كتاب القرية» ذروة هذه التجربة التي استطاعت بالشعر أن تلملم ما ضاع من الشاعر، وأن تصوغ وجعه الإنساني، لا بل وجع الإنسان في مواجهة الزمن الذي يمر.