قال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إن «مؤتمر إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية»، الذي بدأ أعماله في الرياض أمس، ويستمر ثلاثة أيام، بحضور الأطراف اليمنية، عدا الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يأتي في ظل ظروف بالغة التعقيد والخطورة، وفي ظل تحديات وصعوبات كبيرة، بعد أحداث مأسوية تعرض لها الشعب اليمني جراء انقلاب ميليشيات الحوثي وصالح، وما نتج منه من احتلال للعاصمة صنعاء، وقصف للقصر الرئاسي في عدن، ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية مرات عدة، والسيطرة بقوة السلاح على مؤسسات الدولة المختلفة، ونهب معسكراتها. وأشار إلى أن انطلاق مؤتمر الرياض في هذه اللحظة التاريخية يكتسب أهمية استثنائية كبيرة، بوصفه المحطة السياسية الأبرز بعد الانقلاب، «وتقع علينا جميعاً مسؤولية تاريخية فارقة، نظراً للوضع الاستثنائي الذي يمر به الشعب اليمني العزيز». وأكد أن المؤتمر هو لأبناء الشعب اليمني بمختلف مكوناته وأطيافه السياسية والاجتماعية، ولا يمكن مطلقاً أن يتم استثناء أي طرف، طالما كان أمن واستقرار اليمن هدفه، وبناء الدولة المدنية الاتحادية غايته، من دون استعلاء أو ادعاء أو استقواء. وقال: «يؤلمنا كقيادة لهذا البلد أن نرى وطننا تحت حصار الميليشيات الانقلابية. يؤلمنا قلق الأطفال، وأنين الكبار، وأسئلة الشباب عن المستقبل. تؤلمنا مشاهد النزوح الجماعي من مدن حولتها الميليشيات إلى أشباح. يؤلمنا أن نرى مدناً كانت حواضر للعلم والثقافة والمدنية والحياة والتسامح، فحولتها تلك القوى المتوحشة والظلامية إلى مدن أشباح، بعد أن قصفتها وهجرت أهلها. تؤلمنا طوابير المواطنين بحثاً عن فرص الحياة في ظل عصابات الموت. تؤلمنا مشاهدة أبناء شعبنا وهم إما عالقون في المطارات والعواصم، أو نازحون في المخيمات». ووعد هادي شعبه ب«أن الفرج سيكون قريباً بإذن الله، وأن مصير الهمجية لم يكن يوماً غير مزبلة التاريخ. ستنتصر بلادنا، وسيعود وطننا بهياً شامخاً عالياً». وخاطب أبناء الجنوب قائلاً: «ثقوا دائماً بأننا لن نسمح مطلقاً بالالتفاف، أو الانتقاص من عدالة القضية الجنوبية ومحوريتها». وأعرب الرئيس اليمني في كلمته عن الشكر للسعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وإلى الشعب السعودي. وأضاف: «الشكر موصول لكل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي الذين لم يخذلونا أبداً، وكانت مواقفهم ثابتة، داعمة ومساندة لليمن وقضاياه وهموم أبنائه، فنحن منكم وإليكم كجزء أصيل وأساسي من النسيج الخليجي، نتطلع إلى التئام النسيج الواحد، واللحمة الواحدة، فالتاريخ والحاضر يشهدان بكل وضوح أننا نسيج واحد، وقضية وهمٌّ واحد». وأكد هادي أن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن يمثل «علامة فارقة على تعافي الجسد العربي في تلبية نداء اليمنيين، لإنقاذهم من حال الفوضى والخراب، التي أنتجتها الأيادي المتسللة لمنطقتنا، تعبث بالأمن والاستقرار». وذكر أنه من الضروري العمل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعاصفة الحزم وإعادة الأمل، وضمان انسحاب الميليشيات من المدن التي احتلتها، وعدم السماح لها باستغلال الهدنة لمزيد من التمدد وقتل المدنيين. وطالب الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي بالعمل على مراقبة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي صدر تحت الفصل السابع، وأن يضطلعا بدورهما في حماية أبناء الشعب اليمني. وقال: «نرحب بأي جهود دولية تدفع نحو التنفيذ الكامل من دون انتقائية لبنود القرار الأممي الأخير، ونلتزم بالمرجعيات الواردة فيه، والمتمثلة في الاعتراف بالشرعية الدستورية، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وبمخرجات الحوار الوطني الشامل، إضافة لما يخرج به مؤتمرنا هذا كأساس لأي نقاشات، ووفقاً لضمانات واضحة ومحددة، تمنع الالتفاف، أو التأخير المتعمد». وقال مخاطباً المشاركين في مؤتمر الرياض: « لتعلموا أن لا مجال أمامكم إلا النجاح، والنجاح فقط». الجباري: المؤتمر دعم للشرعية وأكد رئيس الهيئة الاستشارية للمؤتمر عبدالعزيز الجباري أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي لتأكيد دعم الشرعية، ورفض الانقلاب، والتمسك بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وأكد ثقة الشعب اليمني بدعم المجتمع الدولي في ظروفه الحالية، وفي مقدمه الأممالمتحدة وأمينها العام ومبعوثه، وأن أي حلول سياسية في اليمن يجب أن تنطلق من التنفيذ الكامل والفوري لقرار مجلس الأمن رقم 2216، وليس التفاوض حوله كما يريد الانقلابيون. ودعا أطراف الحرب على الشرعية أن يعودوا إلى رشدهم، «فلا يزال في الإمكان إنقاذ اليمن، فلا أنتم حققتم ما تريدونه، ولا أنتم قادرون على ذلك. وقد عانى شعبنا اليمني تحت وطأة استيلائكم على الحكم بقوة السلاح معاناة لم يسبق أن عانى مثلها طوال العقود السابقة، حتى أصبحت الأوضاع الإنسانية على شفا كارثة حقيقية». وزاد: «العالم لن يعترف بكم، ولن يتناقض مع نفسه، ولن يقبل أن تسيروا باليمن في اتجاه غير ما توافق عليه أبناؤه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كنتم جزءاً منه للأسف، وانقلبتم عليه». ونوه الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني بإصرار الشعب اليمني على تغليب الحكمة، واختيار الحوار طريقاً لتحقيق الأهداف والغايات التي يتطلع إليها. وأشار إلى أن الرئيس اليمني حدد غايات المؤتمر في مجموعة من الأهداف، وهي المحافظة على أمن اليمن واستقراره في إطار التمسك بالشرعية، ورفض الانقلاب عليها، وعدم التعامل مع ما يسمى بالإعلان الدستوري، ورفض شرعنته، وإعادة الأسلحة والمعدات العسكرية التي تم الاستيلاء عليها إلى الدولة، وعودة الدولة لبسط سلطتها على مجمل الأراضي اليمنية، والخروج باليمن من المآزق إلى بر الأمان. وأكد الزياني عزم وتصميم دول المجلس على مواصلة جهودها لاستكمال ما تم إنجازه من خطوات جادة نحو تعزيز التكامل والشراكة بين منظومة مجلس التعاون واليمن، ودعم جهود التنمية فيه، واستكمال العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، مع متابعة التنفيذ الدقيق والكامل لقرار المجلس رقم 2216، الذي برهن صدوره على وحدة موقف المجتمع الدولي ودعمه لأمن واستقرار اليمن. وأكد السفير البريطاني لدى اليمن أدموند فيتن - نيابة عن الدول الداعمة للمرحلة الانتقالية - أن الالتزام بمخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة باليمن من شأنه الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه. وحض جميع الأطراف على العمل مع مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد بنيات حسنة لإكمال عملية المرحلة الانتقالية السياسية التي تلبي تطلعات الشعب اليمني. وقال: «إننا نرفض بشدة استخدام العنف، وندين الأعمال الأحادية كافة، التي تقوض المرحلة الانتقالية السياسية». وأعرب عن قلقه في شأن الحاجات الإنسانية للشعب اليمني. ودعا السفير البريطاني جميع الأطراف إلى احترام وقف النار، والعمل على تمديده، مشيراً إلى أن المجموعة تؤكد الحاجة إلى منظومات التفتيش الجوي والبحري للعمل بكفاءة كما هو مذكور في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وذلك للسماح بالحركة القانونية للسفن وللطائرات الضرورية حتى لا تتم إعاقة المساعدات العاجلة للشعب اليمني. وقال الأمين العام المساعد للجامعة العربية أحمد بن حلي، في كلمته أمام المؤتمر: «أود في هذا الصدد التذكير بالموقف العربي تجاه التطورات في اليمن الذي أكدت عليه القمة العربية التي انعقدت بمدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في نهاية آذار (مارس) الماضي، والمتمثل في الترحيب والتأييد الكامل للإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن، وذلك استناداً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك وميثاق جامعة الدول العربية وإلى المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، وانطلاقاً من مسؤولياته في حفظ سلامة الأوطان العربية، ووحدتها الوطنية، وحفظ سيادتها واستقلالها». وقال ابن حلي: «أؤكد دعم جامعة الدول العربية لما يقرره اليمنيون في هذا المؤتمر الذي نتطلع أن يشكل انطلاقة جديدة وجادة لتوفير الحاجات اللازمة لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، استناداً إلى مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآلياتها التنفيذية، وقرارات جامعة الدول العربية، وكذلك قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة». وطالب جماعة الحوثيين باحترام الهدنة الإنسانية في اليمن، والسماح لقوافل الإغاثة بإسعاف المتضررين، ومدهم بالحاجات الضرورية للحياة، كالغذاء والدواء والوقود، والعمل على إيجاد المناخ الملائم لاستمرار الهدنة وترسيخها، والانخراط في عملية استئناف تنفيذ مخرجات المؤتمر الوطني. إسماعيل ولد الشيخ: دول الخليج لها دور في إنهاء معاناة الشعب اليمني وقال مبعوث الأممالمتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد: «نأمل في المساهمة من خلال هذا المؤتمر بالتوصل إلى حل سلمي دائم في اليمن». وأضاف أن الأممالمتحدة تقر بأن دول مجلس التعاون الخليجي لها دور محوري في إنهاء معاناة الشعب اليمني، ودعم الحل السياسي السلمي للأزمة اليمنية المستمرة، «فلطالما واجه اليمنيون في أنحاء البلاد كافة مستويات مأسوية من المعاناة، والعنف على مدى الأشهر الماضية، ولهذا تكتسب الهدنة الإنسانية القائمة حالياً أهمية قصوى، تمنح اليمنيين فسحة لطلب المعونة الطبية، واستجلاب السلع الأساسية العاجلة». وقال: «يجب الآن أن تتحول هذه الهدنة الإنسانية إلى وقف دائم لإطلاق النار، وأن تنتهي كل أعمال العنف أياً كان نوعها، ومن أجل إتاحة الفرصة للأمم المتحدة لتوفير هذه المساعدات الإنسانية العاجلة، أجدد من هذا المنبر مناشدة الأطراف كافة ضمان تنفيذ وصول الهيئات الإنسانية وشركائها». بحاح: العودة ليست مرهونة بالخيار العسكري وأكد نائب الرئيس اليمني رئيس مجلس الوزراء خالد بحّاح عودة الحكومة الشرعية إلى اليمن قريباً، رافضاً تحديد مدة زمنية لتلك العودة. وقال إن العودة ليست مرهونة بالخيار العسكري على الأرض، إلا أنه لم ينف أن ذلك أحد الخيارات المطروحة. وكشف عن قيام الحكومة باتصالات مع جميع أطياف وأحزاب المجتمع اليمني، ومنهم الحوثيون، إلا أنهم لم يحضروا الاجتماع. وعن مؤتمر دعت الأممالمتحدة إلى عقده في جنيف من أجل اليمن، قال بحاح: «هناك اجتهادات من الجميع، والأممالمتحدة لديها ستة قرارات، وتبحث عن أي وسيلة إضافية، وليس بديلاً من مؤتمر الرياض». ووصف بحاح مؤتمر الرياض بعد جلسته الأولى بالناجح، «حيث كل الوجوه الوطنية اليمنية موجودة اليوم، وجميع الرموز السياسية. وهذه رسالة لأي لقاء مستقبلي في إطار التنفيذ الأساسي، لكنه ليس حواراً، حتى يكون هناك نوع من المصطلحات السياسية» على حد تعبيره. وقال بحاح: «هناك قضايا متراكمة حول الجزء الجنوبي من اليمن، وتم حلها في مخرجات الحوار الأخير، ولكن عاد التراكم من جديد. ونستطيع حلها إذا ما جلسنا على طاولة واحدة». وعزا عدم مشاركة لواءي الجيش اليمني الموجودين في حضرموت وتحركهما في مساندة الشرعية في اليمن إلى أنهما يحميان المنطقة التي يقعان بها. واعتبر نائب الرئيس اليمني أن الهدف الأسمى من مؤتمر الرياض هو جمع الأطياف السياسية كافة، مؤكداً أن مؤتمر الرياض سيخرج بنتائج طيبة تصب في مصلحة الشعب اليمني. إلى ذلك، وصف رئيس الوزراء اليمني السابق حيدر أبو بكر العطاس وجود اللواءين في حضرموت بأنهما «الخلايا النائمة التي يستخدمها الحوثيون وميليشيات علي عبدالله صالح متى شاءوا، متهماً بعض المشاركين في مؤتمر الرياض بالاتصال بالمتمردين، لذلك لم يتم حل مشكلة اللواءين القابعين في الجنوب اليمني». وقال ل«الحياة» إن اللجنة المكلفة بصياغة الدستور اليمني رفضت الإشارة إلى وجود يمن جنوبي وآخر شمالي. ودعا إلى فتح حوار حول قضايا الجنوب بعد مؤتمر الرياض. وكشف وزير الخارجية اليمني الدكتور رياض ياسين أن الدعوات التي أرسلت إلى سفراء الدول لم تشمل السفير الإيراني أو من يمثله لحضور مؤتمر الرياض، معتبراً ذلك احتجاجاً يمنياً على ما تقوم به إيران من تواطؤ مع الميليشيات الصغيرة، وعدم التعامل مع اليمن كدولة واحدة. وأوضح أن السفينة الإيرانية المزعوم أنها تحمل مساعدات إنسانية لليمنيين عادت إلى الخليج العربي، إذ إن هذا يثبت احتواءها على مؤن مشبوهة. واقترح على إيران أن توجه السفينة إلى عدن لأنها المتضرر الأكبر بين المدن اليمنية، إن كانت فعلاً تحمل نيات خيرة تجاه الشعب اليمني، بدلاً من توجيهها للسواحل الغربية لليمن التي تقع بجوار مناطق الحويثين.