تبدو المراكب الشراعية للصيادين التي يستخدمها اللاجئون اليمنيون هزيلة جداً إلى جانب السفن الحربية وسفن الشحن العملاقة في مرفأ جيبوتي، لكن العشرات منهم يستقلونها يومياً لعبور مضيق باب المندب البالغ طوله 20 ميلاً بحرياً (30 كلم). ومن بين هؤلاء عدد كبير من الجرحى الذين يهربون من النزاع بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وتحالف إقليمي تقوده السعودية. لكن آمالهم في الحصول على العلاج في الخارج، تصطدم بريبة البلدان العربية. ويقول ناصر صالح، كاشفاً جروحاً عميقة تكسو أنحاء جسده جراء إصابته بالرصاص: «لا يريد أحد مساعدتنا. مصر تقول لا نستقبل يمنيين. الأردن يقول لا نستقبل يمنيين. إلى أين نذهب؟ لم يبق سوى القبر». جالساً أرضاً وسط الحر الخانق، يمضغ اللاجئ المتحدر من عدن القات أمام مبنى يسكنه لاجئون. وقال: «هذا هو المسكن الوحيد الذي وجدته. لم يعد لدي أدوية». ويخترق قضيب معدني ذراعه اليمنى، فيما يسند عكاز مرتجل ذراعه اليسرى المشلولة جزئياً. وقد سمح له مستشفى جيبوتي بالمغادرة لأنه لا يستطيع أن يجري له جراحة. وقال: «جئت إلى جيبوتي للانتقال منها إلى بلد آخر، لكني هنا منذ 16 يوماً. نحتاج إلى أطباء متخصصين، وهم غير موجودين في جيبوتي». وعلى غرار ما فعل ناصر صالح، لجأ مئات اليمنيين الى «قرية لوتاه»، الحي السكني قيد البناء الذي وضعه في تصرفهم ابراهيم لوتاه رجل الأعمال الإماراتي، الذي طلب أيضاً من سفن شركته تقديم المساعدة للذين يريدون الفرار من الحرب. ولأن الوسائل الطبية غير متوافرة، يتكدس المصابون في الشقق حيث يقتصر العلاج الذي يحصلون عليه على ضمادات ملطخة بالدماء، فيما تشهد الحروق البالغة والأعضاء المبتورة والوجوه المشوهة على عنف النزاع الجاري في بلادهم. وقال محمد السعيد الذي تحدث عن مصير رجل توفي خلال الليل في شقة مجاورة: «يقولون لنا إن اليمن بلد يثير المتاعب! وأننا من القاعدة! وإذا لم تساعدنا البلدان العربية الآن خلال هذه الحرب، فمتى ستساعدنا؟» وجيبوتي البالغ عدد سكانها 800 ألف نسمة، من البلدان النادرة التي تقبل استقبال اللاجئين من اليمن، وقد بلغ عددهم حتى اليوم 12 ألفاً كما تقول سلطات هذا البلد، يضافون إلى 28 ألف لاجئ وصلوا من الصومال المجاورة. وأقامت المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين مخيماً في مدينة أوبوك الساحلية (شمال)، لكن ألف يمني فقط اختاروا البقاء فيها. وفي مستشفى الرحمة في حي بلبلة في جيبوتي، يقر الأطباء بعجزهم حيال خطورة الجروح. وبين الجرحى الطفلة فرح (7 سنوات) الموجودة في المستشفى منذ اكثر من أسبوعين بعد إصابتها برصاصة استقرت في رأسها. وقال كبير الاطباء عوض عبد القاسم ان «حالتها يمكن ان تتدهور في اي لحظة اذا لم تجر لها جراحة، لكن ليس لدينا طبيب اعصاب ولا جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي (آي آر أم)». وتؤكد والدتها نجاة حسن الجالسة بجانبها انهم لم يتلقوا ردوداً على طلبات نقلها الى مصر او الاردن او السعودية. وتضيف «لا نعرف الى من نرفع قضيتنا». ولا تقدم السفارة اليمنية في جيبوتي اي مساعدة. وفي الغرفة نفسها، تنتظر الشابة وداد (18 سنة) نقلها لمعالجتها من اصابة خطيرة في معدتها خلال قصف قرب ملعب عدن، ولا تزال تواجه تعقيدات الاجراءات البيروقراطية ذاتها. وقال زوجها محمد مهدي «في عدن، طلب منا الاطباء ان نأتي الى جيبوتي للذهاب بعد ذلك الى السعودية، لكننا ما زلنا ننتظر». وتتوقع الاممالمتحدة ان يصل اكثر من 15 الف لاجئ يمني في الاشهر الستة المقبلة الى جيبوتي. وقال الناطق باسم المفوضية العليا للاجئين فريدريك فان هام ان «اعداداً كبيرة من اليمنيين يريدون المغادرة لكن الحصار واطلاق المتمردين النار على المراكب ونقص السفن والوقود يرغمهم على البقاء. نعرف ايضاً ان عمليات نزوح سكاني كثيفة تحصل في داخل البلاد». ومن المتوقع ان يصل في الايام المقبلة حوالى 150 لاجئاً جديداً الى «قرية لوتاه». وبات طاهر صالح وكيل مقر اقامة الثري الاماراتي الذي اراد مساعدة اللاجئين اليمنيين، على وشك التوقف عن ارسال سفن الى اليمن. وقال: «في وسعنا ان ننقل مزيداً من الاشخاص الى جيبوتي، لكن ان كانوا سيبقون عالقين هنا، فهذا لن يكون مجدياً».