الجنس والحرب والإرهاب، من أبرز عناوين احتفالات تلاميذ البكالوريا في تونس، لمناسبة انتهاء السنة الدراسية الحالية وإجرائهم امتحان الرياضة. هذه الاحتفالات التي دأب تلاميذ السنة النهائية في المعاهد التونسية، على نشر الفرح والبهجة من خلالها في الشوارع، تحوّلت هذه السنة مناسبة للتعبير عن حال التوتر التي وصلت إليها تونس، على خلفية الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها في السنوات الثلاث الماضية. الاحتفالات الغريبة انتهت بالتحقيق مع عدد من التلاميذ لدى فرق مكافحة الإرهاب، وأثارت غضباً لدى تونسيين عبّروا عن حيرتهم لمدى تأثير الأحداث الإرهابية في عقول التلاميذ. ككل سنة، يولي تلاميذ السنة النهائية في المعاهد التونسية، أهمية كبرى لاحتفالات توديع المعهد والانتقال إلى المرحلة الجامعية. احتفالات تحوّلت تقليداً سنوياً، تحضّر خلالها نشاطات كإعداد رسوم الغرافيتي وتكريم الأساتذة وعرض المسرحيات الطلابية وقيادة السيارات بطريقة استعراضية واستعمال الألعاب النارية. ولا يرفض التونسيون هذه العادة السنوية، بل يعتبرونها طريقة لطيفة من مراهقين يحاولون التنفيس عن الضغط النفسي الذي يسبق الامتحان الوطني النهائي، ومناسبة لعرض بعض نشاطاتهم الثقافية. لكن احتفالات تلاميذ الباكالوريا لهذه السنة، خلّفت الصدمة والحيرة. فانحراف المراهقين في تعبيراتهم الفنية نحو الجنس والإرهاب، أحدث مفاجأة سيئة لدى الإطار التربوي التونسي، ولدى الرأي العام بصفة عامة، لما تضمّنته من معان بعيدة كل البعد من الطابع الاحتفالي، تصبّ غالبيتها في تمجيد مصادر الإرهاب برفع صور لزعيم النازية هتلر، وراية العقاب وصور أخرى تعبّر عن وضعيات جنسية اعتبر البعض أنها مخلّة بالآداب العامة. ونشر بعض التلاميذ صورة غرافيتي تتضمّن ملثماً يحمل سيفاً وصور ضحايا «داعش» كمعاذ الكساسبة وغيره أثارت جدلاً واسعاً، وأسالت الكثير من الحبر، حتى أن موقع «أفريقية للإعلام» المحسوب على «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، نشر تدوينة أثنى فيها على هؤلاء الطلاب لتبنّيهم فكره الإرهابي. تلاميذ آخرون نشروا صور رايات سود كتبوا تحتها: «لن نرضى بغير حكم الله»، «نحن قادمون يا قدس» و «نحن جند الله»، في تبنٍّ واضح لفكر الحركات الإسلامية المتشدّدة التي ترفض كل أشكال التعدد والديموقراطية، وتنادي باعتماد الخلافة الإسلامية والجهاد من أجل إرسائها. الإيحاءات الجنسية أثارت أيضاً، غضب الأهالي والمتابعين لهذه الاحتفالات، وتمثّلت في قيام بعض التلاميذ بإعداد صور غرافيتي تحتوي تمثيلاً لمنافسة بين أقسام مختلف الاختصاصات العلمية والأدبية، عبر تمثيل الأقوى في شكل رجل يمارس الجنس ضد الفريق الأضعف الذي رسموه في شكل امرأة، وهو ما فسرته الحقوقية والصحافية هند الشناوي، «بالتمييز ضد المرأة وتصويرها في شكل الطرف الأضعف». ورأت الشناوي أن ذلك يترجم «نظرة تقليدية وتمييزية ضد المرأة التونسية، يتوارثها المراهقون عن أولياء أمورهم وعن إطارهم التربوي». هذه الممارسات التي أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المحلية والعالمية أيضاً، أعادها البعض إلى هشاشة الوعي الفكري لبعض المراهقين، مقارنة بفظاعة الأحداث الإرهابية التي تمر بها تونس والعالم، وتطوّرها كماً ونوعاً في شكل تصعب معه السيطرة على أثرها في كل مكونات المجتمع التونسي. المختصّة في علم نفس الطفل سلمى عبد الكافي، أكدت ل «الحياة» أن «تفاعل التلاميذ المراهقين في تونس مع ما يحيط بهم من أحداث، طبيعي بالنظر إلى غياب عنصري التثقيف والترفيه، والنشاطات الموسيقية والمسرحية في غالبية المعاهد الحكومية في تونس. كما أن فهمهم للأحداث في هذه السن يتميز عادةً بالرغبة في اصطناع الإثارة واستعراض القوة، حتى وإن ارتبطت هذه القوة بالعنف. ويأتي هنا دور المربي لتحويل طاقة التلاميذ إلى نشاطات تنافسية رياضية وفنية، وهو ما يتجاهله الطاقم التربوي في تونس ومن ورائه الحكومات المتعاقبة. ويجب التذكير في هذا الإطار، بأن عدداً كبيراً من تلاميذ البكالوريا عبّروا في احتفالاتهم عن تميّزهم بالوعي والوطنية من خلال نشاطات تحمل طابعاً ثقافياً وتربوياً ووطنياً.