يبعث لي بعض القراء، أسئلة تثيرها لديهم قراءة مقالتي ويطلبون مني الإجابة عليها. ومعظم هذه الاسئلة إن لم يكن كلها لا تحتاج سوى ضغطة زر على موقع غوغل، أو عودة لمرجع بسيط لمعرفة الجواب. أحدهم كتب مرة لي بعد أن قرأ لي مقالاً يقول: ان الصحافة هي السلطة الرابعة، ليسألني عن السلطات الثلاث الباقية؟ وآخر سألني بعد أن كتبت أن المؤتمر الإسلامي العالمي أقر المذاهب الثمانية، وطلب مني أن أخبره ما هي هذه المذاهب الثمانية؟ أما أطرف سؤال فهو من قارئ، قال إن كلامي أقنعه وأن مشاهداته الخاصة أثبتت صحة ما أقول، لكنه يحتاج مني أن أزوده بأدلة من القرآن والسنة لتكتمل قناعته ويطمئن، وكأن القرآن والسنة صندوق مغلق، ووحدي من يمتلك مفاتيحه! هذه الذهنية، ذهنية التلقي، العاجزة، أو ربما الخائفة من التصدي لمسؤولية المعرفة والبحث، ذهنية تفضل الاتكاء على مسؤولية خارجية تتدبر عوضاً عنها البحث عن إجابة، هذه الذهنية هي نتاج حتمي لطرائق التربية والتعليم التلقينية، في البيت وفي المسجد والمدرسة. إنها نتاج الأجوبة الجاهزة التي عليك أن تبلعها ولا تناقش، والنتيجة المترتبة عليها هي مسؤولية آخرين، وتقع دائماً على مسؤول غيرك. لهذا تنجح لدينا برامج اسأل ونحن نجيب، وبرامج لا تفكر نحن نفكر عنك. لكن هذه الدعوات لا تتوقف عند حدود الإغراء بالراحة والرفاهية، بل تتجاوزها في معظم الأحيان إلى العقوبة والتهديد بالضياع والوقوع في براثن الشيطان. في مناهج التعليم الحديث، الأسئلة هي مفتاح المعرفة وليست نهاية المعرفة. المعلم يضع العنوان ثم يسأل، والطالب يفتش عن الإجابة في أركان الفصل، بين الكتب، وفي الصور، وفي المشاهد الخارجية، ومن خلال الملاحظة والتجريب. إن منهج التعليم الحقيقي هو ان تتعلم كيف تسأل، وكيف تستخدم أدوات الملاحظة والبحث العقلية، للحصول على الجواب. بينما اثبتت نتائج البحث التعليمية أن من يتعلم في طريقة التلقين القديمة، هو المدرس وليس الطالب. إن إثارة الاسئلة هي ملكة من ملكات العقل. وقانون التطور هو الشك في كل نظام لا يقوم بوظيفته على الأوجه الأكمل، وأنا اقصد هنا الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية. لكن التعليم هو الذي يطور هذه الملكات، ملكة السؤال، وملكة البحث عن الأجوبة وقصة ابينا إبرهيم عليه السلام، هي أجمل قصة تختصر كيف قادت الاسئلة إلى تحطيم الأصنام.