أثار عنوان فيلم Psycho (نفسي أو نفوس معقدة) التباساً كاد يكون «مناسبة تلفزيونية استثنائية» لو تجلى الالتباس لمصلحة المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك (1899 - 1980). لكن مع اللقطات الاولى تبين ان الفيلم الذي عرض أخيراً، هو فيلم حديث الانتاج للمخرج الاميركي غوس فان سانت، يحمل العنوان ذاته. لا نريد هنا التقليل من قيمة الفيلم الأخير، لكن لو أخطأ مبرمجو المحطة وعرضوا فيلم هيتشكوك ذاك (انتاج 1960 باللونين الأبيض والاسود)، لاعتبر ذلك من المرات القليلة والنادرة التي نرى فيها عملاً لأحد «عباقرة السينما» على الشاشة الصغيرة، لكن يبدو أن مبرمجي الفضائيات عموماً، تنقصهم الشجاعة في الإقدام على مغامرة من هذا النوع قد تفقدهم جمهوراً عريضاً اعتاد متابعة أفلام الآكشن والميلودراما والكوميديا والرعب... «الحظر الفضائي» المفروض على هيتشكوك، مفروض كذلك على أقرانه وأمثاله من كوروساوا في أقصى الشرق إلى اورسون ويلز في أقصى الغرب مروراً برموز السينما الروسية والإيطالية والفرنسية والبريطانية، وأخيراً الإيرانية... وحين نقول «رموز»، فإننا نقصد اسماء معينة مثل تاركوفسكي وبيرغمان وفيلليني وتروفو وغيرهم كثر. ومن دون الخوض في تقويم ما تعرضه فضائيات غير ناطقة ب «لغة الضاد»، فإن من المستغرب، حقاً، أن تتجاهل الفضائيات العربية هذا الأرشيف السينمائي الحافل الذي يقبع في المستودعات من دون ان يتحرك أحد لإخراجه الى النور عبر الشاشة الصغيرة. وربما كان الأمر مفهوماً ومقبولاً قبل انتشار البث الفضائي، لكن ومع كل هذه «الساعات الفضائية» المهدورة على مواد رديئة، فإن عرض تلك الأفلام المنسية يعد ضرورة تدعم جوهر التلفزيون كوسيلة بصرية من المفترض ان تكرس «الجمال» بالمعنى الإبداعي، وتبحث عنه. وفي حين نعثر بين عروض الفضائيات المتخصصة، على القليل الذي يلفت النظر، فإن المطلوب ليس فقط عرض ما ينتظره السواد الأعظم من المشاهدين الذين يميلون الى متابعة أفلام خفيفة، بل المطلوب تخصيص سهرات لعرض أفلام «نخبوية». ومع ان التعبير الأخير ينطوي على بعض التشويش، فإن المقصود به عرض أفلام لا تلقى صدى لدى العامة، لكنها حظيت، لدى انتاجها، باحتفاء نقدي لافت، ونالت جوائز، وطرحت اسئلة جدية ارتبط بعضها بالفن السينمائي ذاته. تطبيق ذلك لا يعد ضرباً من المستحيل، بل هو بسيط إزاء ساعات البث الهائلة. وما نراه ليس انتقاماً من سينمائيين قللوا من شأن التلفزيون ذات يوم، بل إن معادلة الربح والخسارة هي التي تتحكم، وهي معادلة مجحفة بحق أسماء صنعت «تاريخ السينما» وحاضرها، وهذا يعني، تالياً، أن الانتظار سيطول الى ان يأتي يوم نرى فيه «هيتشكوك على الشاشة الصغيرة» ضيفاً طارئاً بكامل تشويقه!