خطوات معدودة تفصل بين أشجار اعياد الميلاد المنتشرة ومتاجر الهدايا، من جهة، والمواكب الحسينية المشيدة على ارصفة حي الكرادة وسط بغداد، اذ ان تزامن عيد الميلاد مع موسم عاشوراء هذا العام جعل العاصمة التي تسكنها مختلف الطوائف والاديان والمذاهب تجمع بين طعم الفرح والحزن في آن. وسط هذه الاجواء لا يبدو تبادل الادوار صعباً بين السكان، اذ ان الكثيرمن المسيحيين شاركوا اصدقاءهم المسلمين في تحضير الطعام للمواكب وتوزيع المأكولات على الزوار الراجلة، فيما اقدم بعض المسلمين على اهداء اصدقائهم المسيحيين اشجار اعياد الميلاد بعدما زينوها بزينة خاصة. ويقول جمال حسين، صاحب معرض للهدايا، ان «المدينة بدت لوحة سوريالية بعدما امتزجت مظاهر عاشوراء بفرحة عيد الميلاد، وباتت الاشجار المزينة تضفي عليها نوعاً من البهجة إلى جانب الخيم السوداء». جمال يؤكد ان «روح المشاركة في المناسبتين، على رغم اختلافهما، بدت واضحة فالمسلمون الشيعة لم يمانعوا بوجود اشجار الميلاد قرب مواكبهم مثلما احترم المسيحيون وجود المواكب الحسينية في ازقتهم، بل ان بعضهم شارك في المناسبتين من خلال تزيين الأشجار وترتيب الموكب الحسينية». وتبدو روح المشاركة واضحة بين اهالي الكرادة الذين صمدوا وحافظوا على تعايش مختلف الطوائف في سنوات الحرب الأهلية. عيسى تيدي، احد من الشباب المسيحيين الذين حضروا الى حسينية الكرادة للمساعدة في ترتيب الموكب الذي شيد امامها، لم يكتف بذلك بل توجه الى المطبخ الخاص بالزوار لطهو الطعام وتوزيعه على الاهالي، بعدما اكتسب خبرة كبيرة في اعداد طبخة «القيمة» التي دأب اصحاب المواكب على اعدادها في ايام عاشوراء. يقول عيسى انه يساعد في اعداد وجبات الطعام وتوزيعها ثم يغادر الى منزله مع حصته التي تتلذذ عائلته بطعمها سنوياً. ويضيف «اعتدنا في هذه المدينة ان نشارك بعضنا في المناسبات سواء كانت مناسبات مفرحة ام محزنة فلا فرق لدينا، انها التقاليد التي تربى عليها السكان وانا احترمها». سكان آخرون انشغلوا بإعداد اشجار اعياد الميلاد قبل ايام وفاجأ بعضهم اصدقاءه بتقديم الهدايا قبل اوان العيد.علي الزبيدي الذي يستعد للمسير الى كربلاء لاحياء ذكرى عاشوراء إشترى هدية خاصة لصديقه المسيحي بهنام وقدمها إليه مبكراً لانه قد يتأخر لبضعة ايام هناك قبل ان يعود الى الكرادة. يقول علي: «بعض اصدقائي المسيحيين استأذن قبل شراء شجرة عيد الميلاد كونها تتزامن مع مناسبة محزنة لدى الشيعة، فأخبرتهم ان من حق كل واحد ان ينعم بلحظات السعادة التي تتاح له في هذه الحياة، وهذا لا يتعارض البتة مع موسم عاشوراء». وكانت كنائس بغداد اعلنت اقتصار احتفالات الميلاد هذا العام على القداس داخلها لتزامن المناسبة مع موسم عاشوراء.