الأمن أولاً ثم الحرية، هو جوهر السجال الذي واكب مناقشة القانون الذي اقره البرلمان الفرنسي امس، وينص على تعزيز صلاحيات التنصت للاستخبارات الفرنسية في مواجهة التهديد الارهابي غير المسبوق القائم في البلاد. يقول مؤيدو القانون ان للحرية ثمنها وقد بدا هذا الثمن باهظاً جداً في ضوء الاعتداءات التي نفذتها شبكة الأخوين كواشي في كانون الثاني (يناير) الماضي، وأدت الى مقتل 17 شخصاً. ويعيد مؤيدو القانون التذكير بأن هذه الاعتداءات كشفت عن ثغرة استخباراتية يتوجب التعامل معها. ويقف في طليعة المدافعين عن القانون رئيس الحكومة مانوييل فالز الذي يرى ان القانون ينطوي على ضرورة مؤكدة، خصوصاً أن آخر قانون حول التنصت الاستخباراتي يعود الى العام 1991 حين لم يكن هناك انترنت ولا هاتف جوال. وبالتالي فإن القانون الجديد يشكل نوعاً من تطوير الاجراءات المتبعة وتكييفها مع التقنيات الحديثة الشائعة الاستخدام من قبل المتشددين. ويجيز القانون الذي أقر بأصوات نواب الغالبية الاشتراكية الحاكمة والمعارضة اليمينية وعارضه نواب من الكتلتين، تمكين الاستخبارات من التنصت على الهواتف ورصد الاتصلات على انترنت ووضع أجهزة تنصت داخل المنازل والسيارات. لكن الجديد المقلق في هذا الإطار هو ان هذه الاعمال كانت تقترن سابقاً بأوامر قضائية وهو ما لم يعد منصوصاً عليه في القانون الجديد، نظراً الى طابع الالحاح الذي يفرضه التهديد الارهابي ويحتم على الاستخبارات اللجوء سريعاً الى اجراءات استثنائية. في المقابل فإن نشاطات التنصت الاستخباراتية ستكون خاضعة لإشراف لجنة حكماء مكونة من 13 شخصاً من نواب واعضاء في مجلس الشيوخ وكبار القضاة والمجلس الأعلى للدولة. ويقر معارضو القانون بضرورة حفظ الامن ولكن ليس على حساب الحريات الأساسية والحياة الشخصية ويرون فيه نوعاً من «باتريوت آكت» فرنسي في اشارة الى الاجراءات التي اعتمدت في الولاياتالمتحدة غداة هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001. ويرى هؤلاء ان القانون الجديد ينطوي على تضييق عام للحريات الفردية نظراً الى خلوه من تحديد واضح لنوعية الأشخاص الذين يمكن إخضاعهم للتنصت ما يجعل اي مواطن عرضة لمراقبة اعتباطية. وفي هذا الإطار تلقى فالز الاسبوع الماضي، عريضة موقعة من قبل 119 الف شخص، تصف القانون الجديد بأنه قاتل للحريات وهو ما يتقاطع مع موقف رئيس نقابة المحامين بيار اوليفييه سور الذي اعتبر ان الفرنسيين سيصبحون خاضعين لمراقبة عامة ويفتح الباب على مصراعيه امام التجاوزات. ويعبر سور بموقفه هذا عن استياء القضاء من القانون الجديد الذي يحرر الاستخبارات من رقابته السابقة عليها، فيما تتخوف الشركات الخاصة لخدمات انترنت من القانون الذي يتيح للاستخبارات تركيب تجهيزات خاصة على معداتها وقد تكون مشابهة للتجهيزات التي استخدمتها «وكالة الامن القومي» الاميركية وكشف عنها ادوارد سنودن. وإدراكاً منه لحدة الانقسام الذي يثيره القانون، تعهد الرئيس فرنسوا هولاند بإحالته بعد إقراره على المجلس الدستوري لدراسته وتحديد ما اذا كان يتضمن ما يتنافى مع الحريات واحترام الحياة الخاصة.