تتشابه وجوه المتسولين أمام المارة، إذ ألفوا مشاهدتهم في المكان ذاته، وتختلف النظرة إليهم بحسب الظرف والزمان، فالتسوّل في زمن الحرب له مآرب تختلف عنها وقت السلم، مثل النظرة إلى طفل من الجنسية اليمنية رمته أتون الحرب بين نار الحاجة والاستغلال، خصوصاً في زمن انتشار الإشاعات كالنار في هشيم مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض قصص استغلال ميليشيات الحوثيين لأطفال الشوارع. وبين التوجس والرحمة لا يزال الطفل علي الذي لم يكمل ربيعه ال13 يمارس التسوّل في إشارة تقاطع طريق الأمير عبدالعزيز بن مساعد (الضباب) مع طريق مكةالمكرمة (خريص)، للسنة الثالثة على التوالي، ولم يختلف فيه شيء منذ نشرت «الحياة» عنه تقريراً في آذار (مارس) العام الماضي، إلا مظاهر سن البلوغ التي منحته طولاً ومكّنته من استخدام وسيلته الجديدة في التسول - ممسحة وعلبة منظفات - ليعرض على رواد الإشارة مسح زجاج السيارة. لم يستجب الطفل لنداءات «الحياة» للتأكد من شخصيته عن قرب بعد غياب عام من تاريخ النشر عن قصته، واجتمع مع ثلاثة من رفاقه الجدد في زاوية بعيدة من الإشارة مع ابتسامات وأحاديث جانبية توحي بالاستعداد للهرب بعد أن ارتابوا من هذا النداء. وفي رصد ل«الحياة» وثّقت مقطع فيديو لطريقة هرب سبعة أطفال متسولين بعد دهم أمني في تقاطع طريق الملك فهد مع شارع «التحلية»، استخدم الأطفال بشكل متهور سلم الطوارئ للنزول من «الكوبري» إلى طريق الملك فهد في الاتجاه المعاكس للسير، وهو ما يصعب مهمة رجال الأمن في القبض عليهم. لم يختلف وقت التسوّل عنه كل عام، فهو يبدأ مع موسم الصيف، وينتشر الأطفال المتسولون في عز الظهيرة حول الإشارات وأماكن التسوق أو المساجد لاستجداء الناس في القيظ الشديد وفي ظل قلة وجود أمني ملاحظ في أماكن المتسولين المعتادة. ولا يوجد بحث اجتماعي أو أمني لهذه الظاهرة يبيّن سبب هذا التوقيت، بيد أن دراسة علمية حديثة دعمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كشفت أن ظاهرة التسوّل تشهد ارتفاعاً مضطرداً خلال السنوات الأخيرة، مرجعة الأسباب الرئيسة في بروزها إلى تزايد المتسللين عبر الحدود، والتخلف بعد أداء الحج والعمرة، محذّرة في الوقت نفسه من آثاره السلبية على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وأشارت الدراسة إلى أن معظم جنسيات المتسولين من الجنسية اليمنية، تليهم الجنسية المصرية، ثم الجنسيات الأخرى، غالبيتهم من الأميين ذوي الدخول المنخفضة. واتضح في الدراسة أن الأسباب الرئيسة للتسوّل تتمحور حول العوز الشديد، والبطالة، والظروف الأسرية، وتعاطف أفراد المجتمع مع حال المتسوّل، وعدم وجود رادع قوي يمنع التسوّل، إضافة إلى ضعف إمكانات حملات مكافحة التسوّل، وكثرة المتخلفين من العمالة الوافدة، ووجود عصابات تشرف على التسوّل. والدراسة السابقة لا تختلف عن إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية خلال الأعوام الثمانية الماضية عن المقبوض عليهم من المتسولين، إذ تراوح نسبة السعوديين من المتسولين بين 13 و21 في المئة، فيما تراوح نسبة الأجانب بين 78 و87 في المئة.