تواجه فرنسا معضلة في التعامل مع ظاهرة «الجهاديين» الذين يتوجهون للقتال في سورية والعراق. وسواء قُتِلوا أو ظلّوا أحياء أو قرروا العدول عن القتال والعودة إلى بلدهم، فإن هؤلاء يمثّلون تهديداً لأمن فرنسا ولمصالحها في الخارج. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في أجهزة مكافحة الإرهاب أن عدد القتلى بين الجهاديين الفرنسيين في سورية والعراق تجاوز عتبة المئة، وبلغ 104 ما أثار مقداراً كبيراً من القلق في أوساط المتابعين. وعلى رغم مقتلهم يبقى هؤلاء مصدر ضرر، من خلال تحوّلهم إلى نموذج يحتذى لدى شباب آخرين، بعضهم كان أبقى روابط وثيقة معهم عبر وسائل الإنترنت. ولعل أبرز ما كشفه المصدر الاستخباراتي أن بين الجهاديين القتلى مراهقَيْن يبلغان من العمر 12 و14 سنة، غادرا منطقة تولوز (جنوبفرنسا) قبل سنتين برفقة والدتهما التي اعتنقت الفكر المتطرف، وظهرا لاحقاً في أشرطة فيديو «دعائية». وبين القتلى أيضاً، شقيقان يتحدّران من أسرة باريسية معروفة، غادر أحدهما فرنسا عام 2014 والتحق به الآخر في العام التالي، واعتُقِل أحد أقاربهما خلال عملية لمكافحة الإرهاب أخيراً. وتُعتبر بلدة لونيل الصغيرة في منطقة هيرو الجنوبية، الأكثر تأثُّراً بظاهرة الجهادية، إذ قال المصدر إن ما يراوح بين عشرة وعشرين من شبابها توجّهوا إلى «الجهاد» وأن سبعة منهم قُتِلوا وأحدهم أمكن التعرف إلى هويته أخيراً. وزاد إن 800 «جهادي» فرنسي غادروا إلى سورية والعراق، بينهم 450 لا يزالون هناك، وأن عدد الفرنسيين المرتبطين بشبكات «جهادية» يبلغ 1600 شخص. واعتمدت السلطات الفرنسية إجراءات، أملاً بالحؤول دون استقطاب مزيد من الشبان إلى «الجهاد». كما أعلن رئيس الحكومة مانويل فالز أخيراً إنشاء هيئة متخصصة بمساعدة العائدين من مناطق النزاع، ومواكبتهم وصولاً إلى دمجهم مجدداً في مجتمعهم. لكن هذه الهيئة معنية فقط بأولئك الذين لم يرتكبوا ما يعرِّضهم لملاحقة قضائية أو فظائع، على غرار ما ارتكبه فرنسيان ظهرا في شريط فيديو ل «داعش»، ضمن مجموعة تذبح جندياً سورياً. ولا يلغي هذا النهج الإيجابي في التعامل مع الجهاديين «التائبين» إدراك فرنسا الأخطار المترتبة على عودتهم، خصوصاً أن بين الاعتداءات التي أفشلتها الأجهزة المعنية خلال الأشهر الأخيرة، أربعة مخططات أعدها «جهاديون» قرروا العودة إلى فرنسا.