عندما وصلتني الصورة على الايميل همست بيني وبين نفسي (صورة مفبركة) في زمن كثر فيه الفوتو شوب، ولم أتمعن جيداً في الصورة لأعرف أنها كما ذكر الخبر نشرت في صحيفة محلية. الخبر كان عن ارتفاع ضحايا كارثة سيول جدة إلى 98 والرسائل التي أثارت ازمة بين الدفاع المدني والأرصاد، وتحتها مباشرة صورة لأربعة من الرجال عُنونت ب (رجال الدفاع المدني ينتشلون جثة طفل في رابغ). وجثة طفل هنا يا سادة يا كرام تعني أن الطفل متوفى وغريق، وأن له أسرة مكلومة تتلهف لمعرفة مصيره.. أسرة أصابها الحزن والغم وألم الفاجعة والفراق والغياب وغيره.. أسرة لا تتوقع (كما لا نتوقع جميعاً) أن تجد صورة ابنها الغريق على صفحات الجرائد والرجال الأربعة يمسكون بتلابيبه وكأنهم يمسكون درعاً أو نصباً تذكارياً. ببساطة لأنها جثة تثير رؤيتها الألم والحزن ومشاعر الأسى وقد تقوم المؤسسات المختلفة بتصوير الحدث الذي يجب أن يصاحبه ألم وحزن بعيداً عن الابتسامات التي لا معنى لها في هذا الموقف بالتحديد. ذكرني ما سبق باحدى الوكالات التي نشرت فور هطول أمطار جدة والكوارث الانسانية والبيئية وغيرها التي لحقت بها خبر فرحة أهالي وسكان جدة بنزول أو هطول المطر، والذي صاحبه بالطبع الخروج إلى البحر بكل سعادة، على رغم أن جنوبجدة لو كان يملك صوتاً لصرخ بأعلى صوت لديه اني أغرق أغرق! بعض الأخبار لا تتناسب مع الموقف وطرحها بهذه الطريقة يثير الغضب ويضع أسئلة بخط أحمر عريض عن معنى الخبر ومناسبة وضعه وصدقيته وربما ملاءمته للحدث الجلل. قد نقوم بالتصوير مع شجرة كبيرة أو مع زهور شكلها مميز، قد نصور الشمس وهي تشرق، وقد نصورها وقت الغروب، قد نصور سماء ملبدة بالغيوم أو مائدة عامرة بالطعام، وقد نصور آثار الدمار الشامل الذي عم شوارع جنوبجدة ومنازلها وسكانها لنعلم ولنتعلم ولتبقى ذكرى أليمة ومحزنة فرقت بين محبين، وحرمت طفل من والديه، وأظهرت شجاعة البعض وتراخي واستهتار البعض الآخر. وقد نصور منازل دمرت أو نصور حالات تم إنقاذها ونحن سعداء بهم وبوجودنا في الوقت المناسب لإنقاذهم، قد نصور الشابة الرائعة الشجاعة التي يجب أن تكرم لإنقاذها أفراد أسرتها وعشرة من الغرباء بعد قيادتها لسيارة والدها والنجاة بهم، ولكن من الصعب أن نصور جثة طفل صغير تم انتشاله في رابغ، ونحن نبتسم بل ونضع الصورة على الصفحة الأولى من الجريدة المحلية، من الصعب أن نتخيل أن أسرته لن تراها، من الصعب أن تكون لقطة مؤلمة كهذه صورة تذكارية! [email protected]