خرج الصراع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والداعية المعارض فتح الله غولن عن كل إطار قانوني أو قضائي، بعدما تحوّل «حرباً» بين محاكم وقضاة، يتبع كل قاض فيها لهذا الطرف أو ذاك، حتى باتت مؤسسات القضاء حائرة إزاء ما يحدث، ما استدعى تدخّل رئيس المحكمة الدستورية زهدي أرسلان، ولو من باب الإشارة والتحذير. ففي العيد الثالث والخمسين لإنشاء المحكمة الدستورية، نبّه رئيسها الى «محاولات القضاء العمل من أجل تحقيق أهداف سياسية لطرفٍ»، رافضاً وجود «قضاء يعمل بالتحكّم من بُعدْ والأوامر الموجهة». ولم يحدّد أي طرف يقصد، سواء الحكومة المتهمة بتسييس القضاء، أو جماعة غولن التي يتغلغل رجالها في سلك القضاء والمحاكم. وكانت محكمة في إسطنبول أصدرت حكماً بإطلاق 75 من جماعة غولن، يُحاكَمون لاتهامهم بتشكيل تنظيم إرهابي موازٍ للحكومة، من أجل إطاحتها، والتجسس. وبرّرت المحكمة قرارها بعدم كفاية الأدلة، فيما رفض قاضي التحقيق في القضية ووكيل النيابة تنفيذ أمر الإفراج، بحجة أن المحكمة التي أصدرت الحكم لا صلاحية لديها، واتهم قضاتها بالانتماء الى جماعة غولن. واعتبرت الحكومة ان وكيل النيابة منع «انقلاباً قضائياً» دبّرته جماعة غولن، بأمر من زعيمها المقيم في الولاياتالمتحدة، فيما أصرّت المحكمة على حكمها وقرارها، ما دعا اللجنة العليا للقضاء الى التدخل وفتح تحقيق في الأمر ووقف القضاة الذين أصدروا حكم اطلاق أنصار الداعية، لحين انتهاء التحقيق. وحاول كل طرف، الحكومة وجماعة غولن، تفسير حديث أرسلان عن «التحكّم في القضاء من بُعدْ»، لمصلحته واتهام الطرف الآخر بهذا الأمر، فيما جاءت بقية تصريحاته منتقدةً في شكل غير مباشر لمشروع النظام الرئاسي الذي يدعو اليه أردوغان، اذ قال أمام اعضاء المحكمة الدستورية وأردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: «من أهم العراقيل أمام وضع دستور جديد ديموقراطي، هو محاولة أطراف فرض أمور دستورية معيّنة لا إجماع في شأنها، أو اتفاق بين معظم أطياف الشعب والسياسة». لكنه اعتبر أن «الدستور الجديد ضرورة حتمية»، نظراً الى «مستوى التنمية الاقتصادية والسياسية الذي وصلت اليه بلادنا». كما انتقد أرسلان وضع القضاء في شكل عام، مشيراً الى أن المواطن لم يعد يثق بمؤسسة القضاء، بدليل وجود 80 ألف شكوى مُقدمة من مواطنين الى المحكمة الدستورية، تشكو نظام القضاء وأحكامه. وأوصى بتشكيل محاكم تمييز سريعة، للنظر في هذه الشكاوى التي «تفوق قدرة المحكمة الدستورية على النظر فيها».