كاتبة جزائرية اختارت معاهد مقارنة الأديان وتاريخها، فصالت بين الجزائر وفرنسا، لتتخرج من جامعة السوربون بشهادات عليا ولتشق طريقها في مجال بعيد عن تخصصها، فكانت حاضرة في المنتديات الدولية. الجزائرية كوار، ترى بأن الدين لا يمقت الجمال ولا يرفض الفنون والإبداع. وتقول إنه مثلما غيَّر «الربيع العربي» من الإعلام العربي، فإنه أوجد في المقابل آليات جديدة للتضييق على حرية الصحافة. «الحياة» التقتها فكان هذا الحوار حول الإعلام والحريات ورؤيتها لواقع الحال في العالم العربي. بصفتك كاتبة كيف تقوِّمين مساحة الحرية في الصحافة العربية؟ وهل زاد «الربيع العربي» من هذه المساحة أم قيدها؟ - الأكيد أن مع تغير المشهد السياسي، تغير معه المشهد الإعلامي الذي تغلب على وصاية السلطة نسبياً. هناك مؤشرات إيجابية بدأت تظهر في أداء الصحافة والإعلام العربي عموماً، لم تكن فقط بسبب حدوث تطور في الإعلام، بل أراها نتاج اقتراب المواطن العربي من وسائل الإعلام، فأصبح لهذا المواطن دور في صناعة المحتوى الإعلامي عبر وسائط إلكترونية مثل «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما، وهو ما انعكس إيجاباً على بعض المحتوى. لكن، هذا لا يعني أننا حققنا قفزة نوعية في المحتوى والمضمون الإعلامي والصحافي المقدم. أعتقد بأن التحديات لا تزال كبيرة؛ لأن الإطار القانوني والإداري للحريات الجديدة لا يزال مبهماً وغير واضح المعالم. ضف إلى ذلك أن الكفاءات المحلية تفتقر إلى التكوين والتدريب في وقت ظهرت فيه وسائط جديدة للإعلام، وتسارعت فيه الأحداث، وهو ما يزيد من التحدي والخوف من الوقوع في انحرفات خطيرة؛ لغياب هذا الإطار المحدد والمنظم للمهنة. أظن أنه مثلما غيَّر «الربيع العربي» من الإعلام العربي، فقد أوجد في المقابل آليات جديدة للتضييق على حرية الصحافة. وهو ما يضع الصحافي أو الإعلامي أمام مخاطر مجهولة، ناهيك عن مخاطر المساءلة والاعتقال، التي تفرضها قوانين بعض الدول. كل حضارة مزدهرة خلفها فن حي وخلاق، الآن ومع هذه الفوضى العارمة في الوطن العربي هناك من يكفر ويحرم الفنون جميعها.. برأيك كيف نبني المستقبل؟ - الفوضى لا تعترف بأي قانون، والإرهاب لا يعترف بالفنون ولا بالإبداع. فهو يحوّل الأخلاق الإنسانية والجمالية إلى الأخلاق «الهمجية». المجتمعات التي تولي ظهرها لعلمائها وفنانيها ومبدعيها، تمنح الحيز والمكان لظهور جماعة «التعصب» الفكري والتطرف المذهبي والطائفية المقيتة. من الضروري أن يعاد بناء العقول؛ لكي تدرك عمق القيم الدينية والروحية التي لا تهمش الإبداع ولا تُحرِّم الفنون ولا تلغي الجمال «الكوني». قبل آلاف السنين اعترف الإنسان بالخطوط والرسومات على الصخور في الكهوف، وتفنن فيها وأبدى ذهوله أمام طلاسمها. وجاءت الأديان وحققت في تلك الفنون وكان الإسلام أكثر الديانات تعامل مع المخطوط والرسوم والفنون بحكمة العقل وروّية المتبصر، المتأمل. لذا الفن يحتل مكانة مهمة جداً ويعني أشياء عدة: أولاً: أن نُعوِّد الناس على فهم الجمال والجماليات. هذه النعم تحوِّل النفوس البشرية القاسية إلى قلوب حالمة وحنونة. الفن هو نعمة من الله، والجمال نعمة منه، سبحانه وتعالى، وإذا جنح الإنسان إلى مثل هذه النعم، فبالتأكيد سيتغير عمقه الروحي. لهذا السبب، من المهم جداً الكشف عن الجمال الكامل للخالق في كل مكان. تخصصتِ في علم مقارنة الأديان، منذ الأزل والناس على اختلافهم، يبحثون عن ملاذ وغيبيات كالبابليون (عشتار) والسومريون (أنوو أنليل) والهنود (بوذا) وغيرهم.. ماذا وهبتك دراستك لهذا العلم من نظرة للكون والحياة؟ - في اعتقادي أن فهم الكون هو ثقافة تكسبنا القدرة على التوقع والرؤية. تساعدنا على رؤية ما يحيط بنا بعيون الآخرين وبنظرتهم ورؤيتهم للقضايا الكونية. ويمنحنا رحابة في عقولنا لتقبل الآخر ومحاولة فهم بعض الظواهر السائدة من دون إنكار للغير ولا لذاتنا. فالاطلاع على ديانات شعوب وطقوس الأمم، يجعلنا نقبل الشعوب الأخرى، فتنتظم حياتنا وفق نظام معين وبعض المنطق. فعلى رغم عدم تماثل القيم الدينية إلا أن القيم الروحية التي تمتد جذورها إلى العقول والضمائر تجعل الاندماج في المجتمعات ممكناً وتفتح الحوار وتنظم تعايشنا. مؤرخ الحضارة والأديان بنيامين كوستان يقول: «إنّ الدّين من العوامل التي سيطرت على البشر وأن التحسس الدّيني من الخواص اللازمة لطبائعنا الراسخة، ومن المستحيل أن نتصوّر ماهية الإنسان من دون أن تتبادر إلى ذهننا فكرة الدّين». وعلى هذا الأساس فإن الدّين عند الأمم والشعوب ضرورة حياتية، يسير عليها الإنسان وتسير حركة حياته ونمائه وفق أسس معينة، ووفق قيم إنسانية أيضاً. وعلى مر التاريخ، لم توثق الكتب أن قوماً عاشوا من دون أن يتدينوا بدين أو بطقوس أو رسوم معينة. لذلك فإن التدين انتشر بين معظم الشعوب والأقوام البدائية أو المتحضرة، كالبابليين (بعل وعشتار) والسومريين(أنوو أنليل) والفرس(أمورا مزدا) والهنود (برهما،سيفا...) إلى غير ذلك. الجوائز الأدبية التي أخذت تنتشر في البلدان العربية شرقاً وغرباً ذات الجوائز التي يسيل لعاب الكثيرين نحوها.. كيف تدعم المشهد الثقافي العربي؟ أوترينها مسيَّسة أم أنها خطوة صحية للإبداع الحقيقي؟ - الجوائز الأدبية نظرياً مختلف بشأنها، فحتى الجائزة الأشهر في العالم وهي نوبل، قيل عنها الكثير ورفضها عدد من الأدباء، لاعتبارات شتى، ولكنَّ فيها تشجيعاً للأدب والإبداع، وهي تعكس صورة المجتمع في تنظيمها ومنحها، فإذا كانت تخضع للآيديولوجيا والسياسة والعصبيات فلا طائل من ورائها. وفي البلدان العربية، لاشك أنها حبيسة العصبيات والقناعات المنغلقة في معظمها، ولكن لا بد منها، وإلا مات الأدب والإبداع، حتى تتحرر العقول من التبعيات. فهي جوائز ضرورية، ولكن عليها أن تتطور وتخرج من عباءة الولاءات لتصبح إبداعاً محضاً. في المغرب العربي بدأت مشاريع مشتركة للإنتاج السينمائي المشترك نتج من ذلك أفلام ممتازة وجريئة وبعضها خدش وصدم المجتمع العربي، وفي الخليج العربي أخذ مهرجان مسابقة الأفلام في دبي بدعم مسيرة صناعة الأفلام والقائمين عليها وأسهمت كثيراً بشكل إيجابي.. كيف ترين السبيل لصناعة سينما عربية جيدة؟ - الإنتاج السينمائي في المغرب العربي له رصيد كماً وكيفاً؛ لأنه قريب من السينما الفرنسية، ولكنه يفتقر إلى الإمكانات التي تعد عصب الصناعة السينمائية، فالإمكانات التقنية والتأهيل عليها له دور حاسم في تطوير الإنتاج السينمائي، وهو ما تعوزه السينما في المغرب العربي. أما الحركة السينمائية في دول الخليج، فلا بد من أنها ستكون إيجابية؛ لأنها تتوافر على الإمكانات المادية، والمطلوب هو تظافر الجهود وتبادل التجارب بين المغرب العربي والخليج لتطوير سينما عربية تشد المشاهد العربي، وتقدم له إنتاجاً محلياً، ينافس الإنتاج الغربي، الذي يسيطر على المشهد. في رأيك، لماذا حتى هذه اللحظة لم يثق الجمهور العربي بالإعلام العربي ويسمع أخبار بلده من قنوات ووسائل غربية؟ متى يمكن للجمهور العربي أن يثق بإعلامه؟ - أولاً الإعلام عابر للأقطار، جميع الشعوب تتابع إعلامها وتتابع إعلام غيرها، ولكن الاحتراف والصدقية وحدهما يكسبان ثقة الجمهور ووفاءه. والإعلام العربي لا يزال خاضعاً للعصبيات والآيديولوجيات الضيقة والقناعات المنغلقة، ومن ثم لا ينافس مؤسسات إعلامية سبقته أشواطاً في الاحتراف والصدق. الجمهور العربي لا بد من أن يتابع الإعلام الغربي إذا بحث عن الصدق، ويتابع الإعلام العربي إذا بحث عن التسلية، ولا نلومه في ذلك، بل على الإعلام العربي أن يرقى إلى مستوى جمهوره، الذي هو جمهور عالمي. وأن يستوعب أن السوق الإعلامية تعج بمنابر متنوعة تفرض نفسها وتحترم الضوابط المهنية التي تحكم المنتوج الإعلامي المقدم ليس فقط للجمهور العربي بل لجمهور عالمي. أمَا زال المثقف العربي في عليائه بعيداً عن الجماهير أم أن الجماهير تجاوزته ولم تعد تلتفت إليه؟ - المثقف العربي يفكر بعقلية النخبة والصفوة، فيرى نفسه القدوة والقيادة، التي ينبغي أن يتبعها العوام. وهذه مأساة. المثقف في الواقع لا بد من أن يكون نبض الجمهور، يعيش بينهم ويتنفس هواءهم. والجمهور ينظر إليه بتوجس، لا يعرفه؛ لأنه منعزل عنهم، فلا يلتفتون إليه، ويتعاملون معه بتردد. المثقف عندنا أقرب إلى السلطة التي توفر له المادة والرفاهية، وتغذي غروره وتبعده عن الجمهور، الذي هو حاضنته وملهم إبداعه.