اعتبر اقتصاديون أن السوق المالية السعودية استوعبت الأحداث الجيوسياسية الراهنة، وعادت الأمور للاستقرار على المدى القصير، معتبرين أن «عاصفة الحزم» كانت أفضل القرارات التي منحت السوق استقراراً على المدى الطويل، بعد أن أنهك «الترقب» قبل الحرب الأسواق والمستثمرين على حد سواء مع درس السيناريوهات المتوقعة. وأوضحوا في حديثهم ل «الحياة»، أن تحديد موعد دخول المستثمرين الأجانب للسوق منتصف حزيران (يونيو) المقبل دليل على ثقة صانع السوق بالأوضاع الراهنة، ولم يتم التأجيل وجرى الالتزام بالموعد المحدد أواخر العام الماضي لفتح السوق للأجانب. وقال الاقتصادي محمد العمران إن السوق السعودية تعيش في الوقت الراهن حالاً من الاستقرار، بعد أن استوعبت آثار التقلبات الجيوسياسية والحرب العسكرية الدائرة عبر عاصفة الحزم، مؤكداً أن قيام هذه الحرب بعث اطمئناناً أكبر لدى المستثمرين والمتعاملين في الأسواق الخليجية والأوساط الاقتصادية ككل. ورأى أن قيام عاصفة الحزم وتحقيق انتصارات متوالية قللا من المخاوف، وهذا أفضل بكثير من الظروف السياسية الضاغطة بانتظار قيام حرب، مضيفاً: «قيام الحرب بدد المخاوف السياسية التي كانت لدى الاقتصاديين بفعل فترة الانتظار الطويلة لمرحلة ما قبل قيام الحملة العسكرية، أما بعد قيامها فبدأت تظهر نتائجها، وأعتقد أن هذا قلل من المخاطر والانعكاسات على الاقتصاد وسوق المال». وأشار العمران إلى أنه بالتوازي مع قيام الحملة العسكرية، أثبت صانع القرار ثقته بالوضع الداخلي، وتم تحديد موعد دخول المستثمرين الأجانب للسوق السعودية في منتصف يونيو كما تم إعلانه في وقت سابق، ما يعتبر أمراً إيجابياً ومحفزاً للمستثمرين في السوق، مشيراً إلى أن السوق استوعبت أيضاً نتائج الشركات ونتائج الأرباح الفصلية، وأصبحت هناك قراءة شبه واضحة للنتائج السنوية. وتوقع ألا يكون هناك إقبال كبير من المستثمرين الأجانب في بادئ الأمر لأمور تتعلق بالسوق نفسها، إذ يتوقع أن تحقق أرباحاً لهذا العام بقرابة 100 بليون ريال في حال ثبات كل المتغيرات، فيما تبلغ القيمة السوقية للأسهم المتداولة 2.2 تريليون ريال، مشيراً إلى أن المستويات عند 22 مضاعفاً تعتبر مبالغة وفقاً لأسعار أسهم السوق، ما سيصعب من عملية دخول الأجانب، خصوصاً مع هبوط أسعار النفط، إضافة إلى النشاط الكبير الذي تقوم به الدولة لدفع عمليات كفاءة الطاقة، ما سيقلل من الأرباح. وأشار إلى أن رفع تصنيف السوق السعودية إلى سوق ناشئة لن يتم إقراره إلى منتصف العام المقبل كما هو متوقع، ومن ثم عام آخر لتطبيقه، وتصنيف السوق أحد أهم العناصر الجاذبة للمستثمرين، مشيراً إلى أن كل الأخبار الإيجابية استنفدتها السوق وسنشهد خلال الفترة المقبلة بعض التذبذب. بدوره، قال المحلل المالي محمد السويد إن هناك تخوفاً بسبب الأحداث السياسية وهذا أمر طبيعي، ولكنه سيتبدد بعد دخول المستثمرين الأجانب للسوق، وعندما يستثمرون تعود الثقة للسوق كونهم يملكون نظرة شمولية أكبر. ووصف السويد السوق في الوقت الراهن بأنها «مستقرة، ومن غير المتوقع أن تشهد انخفاضات حادة أو هبوطاً دون المستويات الراهنة، وستشهد مساراً تصاعدياً لحين موعد دخول الأجانب»، مشيراً إلى أن الحرب لم تؤثر ولن تؤثر على المدى المتوسط، وغالبية المستثمرين يعون أن عاصفة الحزم تقاد عبر تحالف وليس المملكة وحدها، ما يعطي أماناً كبيراً. وأشار إلى أن أسعار السوق الراهنة تعتبر جاذبة، متوقعاً أن يدخل للسوق خلال الأيام الأولى من المستثمرين الأجانب قرابة بليون دولار خرجت من أسواق أخرى، وعلى المدى الطويل قرابة 40 بليون دولار. المؤشر يتحرك وفق التأثير النفسي قال الاقتصادي فضل البوعينين إن القلاقل السياسية والحروب العسكرية بطبعها تكون ذات انعكاسات خصوصاً على الجوانب الاقتصادية، لاسيما إذا أخذت أمداً طويلاً يمتد لأعوام، ولكن في حال عاصفة الحزم ليس هناك ما يستدعي القلق، مشيراً إلى أنه مع بداية الأحداث كان هناك رد فعل مباشر على سوق المال ولكن بعد استيعاب المتداولين عادت الأمور للتوازن وحققت السوق ارتفاعات، مضيفاً: «هذا يؤكد أن السوق كانت تتحرك على التأثير النفسي». ولفت إلى أن المخاوف من تأثر الاقتصاد السعودي جرّاء عمليات عاصفة الحزم كان أمراً مبالغاً به، مستشهداً بحرب الخليج الأولى العراقية - الإيرانية، إذ كانت كل دول المنطقة في حال استنزاف وتم دعم هذه الحرب وتأثرت المملكة بشدة بسبب حرب الناقلات، وكانت الأمور غير واضحة نهائياً وأسعار النفط تدنت لمستويات 13 دولاراً، وتم التعايش مع الوضع الذي امتد لأعوام حتى اندلعت حرب العراق على الكويت وتكبدت المملكة مصاريف 500 ألف جندي. وشدد على أن الوضع الحالي لا يقارن بالوضع السابق ولا بأكثر من واحد في المئة والذي تم الخروج منه بكل قوة، مضيفاً: «الوضع الآن ذو تأثيرات محدودة، وكل التبعات الاقتصادية المتوقعة بإغلاق باب المندب أو التعرض لمصالح اقتصادية أمر بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً». وأكد البوعينين أن غالبية الاقتصاديين يتفقون على أنه يجب أن يكون لدى المستثمرين والأفراد قناعة بأن الوضع الراهن على رغم خطورته وقيام الحملات الجوية العسكرية يأتي في النهاية كداعم للاستقرار السياسي والاقتصادي إضافة إلى انعكساته على الأمن القومي العربي، مضيفاً: «السوق المالية بعيدة عن الانعكاسات المؤثرة وفق المعطيات الحالية، لذا أعتقد أن ردود الأفعال العنيفة هنا ستكون غير مبررة، والمستثمرون والمتداولون عليهم مسؤولية حفظ استقرار السوق، خصوصاً أنها تمثل مؤشر ثقة بالاقتصاد والأمن والاستقرار، والأمر نفسه ينطبق على الصناديق الحكومية التي يجب أن يكون لها دور منتظر في استقرار السوق».