بعد أن شارفت المملكة على إنهاء الفصل الأول من ثورة اقتصادها زمن اكتشاف النفط، يبدو أن بذار الاقتصاد اليوم ستأخذ شكلاً مختلفاً، وستنحت معالم أخرى بعد ثلاثة أرباع قرن ولّت، هَرِمَ فيها وجه النفط وبدأ يكتب الوصايا بعد عمر مديد، وعهد قادم يعرف جيداً كيف يرجح كفة العلم والبدائل. واليوم ترسم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ملامح سيرتها الأولى على أيدي أبنائها وأحفادها النفطيين. النفط، ذلك الذي أشعل قناديل الشرفات الحالكة، وأنار مصابيح الشوارع، وبث الروح في المكائن والآلات من شرق المملكة إلى قارات العالم، نعمة بسطت رداءها الأخضر على أرض المملكة. واليوم، وبعد أن عبثت الشمس بملامحنا في النهارات القائظة، ها هي تنتصر لبشراتنا المسمرة بنعمة أخرى، نعمة بديلة لزمن آخر، إنها الطاقة الشمسية، تلك المتوافرة وفرة الثروات المعدنية في قلب المملكة، فهل تكون إحدى البدائل؟ والمملكة تستفتح فصلاً آخر من تاريخها لروافد اقتصاد جديدة من خلال جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية؟ تطلعات وطموح الجامعة لا تنتهي حول كيفية الاستثمار، والاستفادة من الطاقة الشمسية وتأسيسها في المملكة، لتصدر منها إلى دول المنطقة والعالم. ويقول مدير مركز أبحاث الطاقة الشمسية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية البروفيسور غسان جبور: «نريد أن نبني مزارع كبيرة للطاقة الشمسية في جامعة الملك عبدالله، ننتج منها الكهرباء لنصدرها إلى أوروبا، فهل لنا أن نتصور كابل الكهرباء يمتد إلى أوروبا؟، لدينا هذا الحلم! يجب أن نحلم أحلاماً كبيرة مثل هذه، لأن الإنسان لم يشرع في رحلته إلى القمر إلا بعد أن رسمته الأحلام». بين العصرين: النفطي والشمسي «هذا فعلاً ما نريده في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، نريد أن نحظى بأفضل العقول وأنبغها، وقبل كل شيء نريد أن نرتبط بمجتمعنا لأن مقياس النجاح أنه إذا كنا لا نحقق النفع لمجتمعنا، فمعناه أننا أخفقنا، نحن لا ننجح إذا كنا لا نربط ما نقوم به بصالح مجتمع المملكة، وعلينا أن نفيد حياة الناس فيها، وهذه هي مهمتنا»، قالها النائب التنفيذي لرئيس الشؤون الإدارية والمالية في الجامعة نظمي النصر، الذي استأنف «سوف نبذل كل ما لدينا لإنعاش هذا الأمل، لأننا بحاجة فعلاً لذلك». الطاقة الشمسية، الطاقة الأم فوق كوكب الأرض حيث تنشأ من أشعتها جل الطاقات على الأرض تقريباً. ومن الطاقة الشمسية تكوّن كل ما في الأرض من مخزون من فحم ونفط عبر ملايين السنين الغابرة. وهي الطاقة التي تُسيّر كل ماكينات الأرض وآلياتها بتسخين الجو المحيط واليابسة، وتولّد الرياح وتصرفها، وتدفع دورة تدوير المياه، وتقوم بتدفئة المحيطات، وتساعد على نمو النباتات وإطعام الحيوانات، ومع الزمن تكوّن الوقود الإحفوري في باطن الأرض. وهذه الطاقة يمكن تحويلها مباشرة أو بطرق غير مباشرة لحرارة وبرودة وكهرباء وقوة محركة. إن أفضل التقنيات الواعدة هي التي تسخر طاقة الشمس، حيث يعتبر التحويل المباشر للإشعاعات الشمسية إلى طاقة كهربائية عبر الخلايا الشمسية أو التسخين الحراري، تقنية جديدة نسبياً ومتطورة، وهي صناعة إستراتيجية باعتبارها مصدراً للطاقة مستقبلياً، ما سيكون له الأثر الأكبر في المحافظة على مصادر الطاقة التقليدية ولأغراض أهم واستغلال أثمن، علاوة على أن مصدر تلك الطاقة مجاني ولا ينضب ونظيف ودون مخلفات أو أخطار. لذا تأمل قيادات جامعة الملك عبدالله أن ينجح المركز كأفضل مركز في العالم للطاقة الشمسية في عالم الجامعات، «نريد أن نرى مركزاً لا مثيل له حالياً في أي حرم جامعي»، قالها البروفيسور غسان جبور، مشيراً إلى أن الغرض من مركز أبحاث الطاقة الشمسية «ليس فقط إجراء بحوث داخل الجامعة، وإنما تطوير التكنولوجيا التي تؤثر في حياة الناس مثلي ومثلك».