عادت المطالبات بتعديل الدستور لتتصدر واجهة الأحداث في مصر، على خلفية الجدل الدائر في شأن إبداء المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي رغبة مشروطة في الترشح للرئاسة في الانتخابات المقررة عام 2011. ودعا كتاب ومثقفون إلى إعادة النظر في المادة 76 من الدستور التي تحدد شروطاً للترشح للانتخابات يراها مراقبون «عوائق تمنع التنافس الحر». وتتمثل شروط البرادعي لخوض المنافسة على الرئاسة في «إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم الانتخابات، والإشراف القضائي الكامل على مراحل الانتخابات وعملية الاقتراع، ووجود مراقبين دوليين من الأممالمتحدة لرصد مراحل الانتخابات وضمان سيرها بصورة سليمة، وأن تكون عملية الترشح مكفولة لكل مواطن مصري، إضافة إلى مراجعة لوائح الناخبين». ومعروف أن الدستور بصيغته الحالية لا يتيح فرصاً تذكر للبرادعي للترشح للرئاسة، كما يرفض الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم المسيطر على البرلمان الحديث عن أي تعديل دستوري جديد لتخفيف الشروط التي يفرضها الدستور على الترشح بحجة أن تعديلات دستورية أقرت في عام 2005 لم يمض عليها فترة كافية للقول إن التجربة تقتضي تعديلاً جديداً. غير أن هذا التعديل الذي أجري قبل أربعة أعوام يفرض شروطاً قد لا يستطيع البرادعي أو أي شخصية مصرية مرموقة أخرى الوفاء بها، وبالتالي يحرمه المنافسة على المنصب الأرفع، ما اعتبره مراقبون تأكيداً ل «عوار الدستور». وانتقد مساعد مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور نبيل عبدالفتاح ل «الحياة» «تكريس الدور المركزي والمحوري للرئيس في تحديد سياسات وقرارت الدولة» لافتاً إلى أن «صلاحيات الرئيس وصلت إلى 62 في المئة من الصلاحيات الدستورية، بما يسمح له بحسم الصراع مع أية قوى». وأضاف أن «تعديل المادة 76 من الدستور جاء على نحو لم تشهده الدساتير، لأنها أكبر مادة من حيث التفصيلات التي تحول دون أي منافسة سياسية جادة وحقيقية على موقع الرئاسة، وهو الأمر الذي يشكل عقبة كؤود أمام البرادعي أو غيره من المصريين الذين يمكن أن نرى فيهم مرشحين محتملين، لأن غالبية هؤلاء ليست لديهم أواصر عضوية بقوى اجتماعية وحزبية وسياسية في البلاد تتيح لهم الترشح... ما يؤكد عوار الدستور وصحة الانتقادات الموجهة إلى البنية المختلة لنظامنا الدستوري». وتشترط المادة 76 من الدستور لقبول أوراق أي مرشح مستقل «أن يؤيده للترشح 250 عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى (البرلمان) والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات»، وهو شرط يصعب على البرادعي أو غيره الوفاء به في ظل سيطرة الحزب الحاكم على هذه المجالس. أما بالنسبة إلى مرشحي الأحزاب، فينص التعديل الدستوري على أن الأحزاب «التي مضى على تأسيسها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشح، واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة 5 في المئة على الأقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشورى، فيحق لها أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا متى مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل». وهذا البند لن يستفيد منه البرادعي، إذ إنه ليس عضواً في أي من الأحزاب، كما أعلن أنه لن يخوض الانتخابات إلا مستقلاً. واعتبر أن «الدستور المصري يفتقد الشرعية، بسبب حرمان غالبية المواطنين من الترشح». وجدد رفضه خوض الانتخابات من دون تعديل الدستور، مؤكداً استعداده ل «التحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور».