أمضى لبنان امس نهاراً من دون رؤساء مع توجه رئيس المجلس النيابي نبيه بري على رأس وفد نيابي ومن الهيئات القيادية في حركة «أمل» لتقديم التعازي الى الرئيس السوري بشار الأسد بوفاة شقيقه الأصغر مجد حافظ الأسد وسفر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أول من أمس الى واشنطن التي يبدأ فيها اليوم محادثاته الرسمية بلقاء نظيره الأميركي باراك أوباما، ووجود رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية. واجتمع الحريري في اليوم الثاني لزيارة المملكة مع ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الذي هنأه بنيله ثقة الشعب اللبناني بتوليه رئاسة مجلس الوزراء متمنياً له التوفيق ولعلاقات المملكة ولبنان المزيد من التقدم، فيما عبّر الحريري من جانبه عن تهنئته لولي العهد بعودته الى المملكة بعد رحلة العلاج التي أمضاها في الخارج. ومع وجود الرؤساء الثلاثة في الخارج أمضى لبنان عطلة نهاية الأسبوع من دون أي نشاط سياسي، بينما أخذ الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بزيارة الحريري الرسمية المرتقبة لدمشق يتزايد باعتبار انها قائمة ولم يتحدد موعدها بعد، خلافاً لما أُشيع في اليومين الأخيرين من انها ستتم اليوم، وهذا ما أكدته مصادر رئيس الحكومة العائد الى بيروت من السعودية ليتوجه منها غداً الى كوبنهاغن للمشاركة في الأيام الأخيرة من قمة المناخ التي بدأت أعمالها في مطلع الأسبوع الماضي. ويأتي الاهتمام بزيارة الحريري الرسمية لدمشق واجتماعه مع الرئيس الأسد في اول لقاء بينهما منذ سنوات سبقت خروج الجيش السوري من لبنان في نيسان (ابريل) 2005 إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، انطلاقاً من انها تشكل خطوة رئيسة على طريق اعادة تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية من خلال حكومتي البلدين، إضافة الى دورها في ترميم العلاقة الثنائية على المستوى الشخصي. وفي هذا السياق علمت «الحياة» ان الاهتمام الدولي والمحلي بزيارة الحريري لدمشق تتويجاً للتفاهم السعودي - السوري في شأن لبنان كان الدافع لتحرك عدد من المسؤولين العرب والأجانب للوقوف على أسباب إصدار القضاء السوري، من خلال قاضي التحقيق الأول في دمشق، استنابات قضائية بناء لدعوى أقامها امامه اللواء الركن المتقاعد جميل السيد ضد من سماهم «شهود زور» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبحسب المعلومات، فإن القيادة التركية تحركت باتجاه القيادة السورية على قاعدة ان الخطوة الصادرة عن القضاء السوري لا تخدم تنقية الأجواء تحضيراً لزيارة الحريري لدمشق ولا الجهود الرامية الى فتح صفحة جديدة بين الأخير والرئيس الأسد. وتردد ان التحرك في اتجاه دمشق لم يقتصر على أنقرة، وأنه كان لباريس دور في هذه الاتصالات، إضافة الى سليمان وأطراف لبنانيين آخرين تربطهم صداقة وطيدة بالقيادة السورية. كما تردد أن الأجوبة السورية على الاستنابات الصادرة عن قاضي التحقيق الأول في دمشق جاءت متضاربة، في ضوء ما يؤكده بعض حلفاء سورية في لبنان من ان القضاء السوري مستقل وأن لا علاقة للقيادة السورية بهذه الخطوة التي لن تسحب من التداول كما أشيع اخيراً، وبالتالي لن تؤثر على التحضيرات الجارية لاستقبال الحريري في دمشق، في مقابل رأي آخر يقول ان القيادة السورية ستعالج هذه المسألة في الوقت المناسب، في إشارة الى احتمال سحبها والتعامل معها وكأنها لم تكن. لكن بصرف النظر عن التفسير السوري للاستنابات القضائية والجدوى من توقيتها، فإن الجهات العربية والمحلية المواكبة لزيارة الحريري المرتقبة لدمشق تستبعد في حال إصرار القضاء السوري عليها، أن تدرج هذه المسألة بالذات على جدول أعمال المحادثات التي سيجريها مع كبار المسؤولين السوريين. وعزت الجهات نفسها السبب الى ان الحريري ليس في وارد إثارتها في المحادثات الرسمية أو عرضاً في إطار استعراض الخطوات السياسية الكفيلة بتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية وتنقيتها من الشوائب على خلفية ان لا مصلحة للبلدين في العودة الى ما كانت عليه قبل العام 2005 أو طوال فترة المناكفات السياسية بين دمشق وتيار «المستقبل» والقوى الحليفة له. وبكلام آخر، فإن الجهات عينها تعترف بأن تغليب المواقف السلبية على ما عداها لم يؤد سوى الى تأزيم العلاقة بين البلدين تماماً، كما ان العودة بها الى ما كانت عليه إبان الوجود العسكري السوري في لبنان لن تخدم التوجه المشترك في الارتقاء بها الى مستوى يعيد إليها الحرارة الأخوية لمصلحة الشعبين والبلدين على قاعدة الاحترام المتبادل، ناهيك بأن مجرد إثارة موضوع الاستنابات القضائية في زيارة الحريري سيؤدي، كما تقول مصادر في الأكثرية النيابية ل «الحياة» الى التقليل من اهميتها ودورها في تحصين الاستقرار الداخلي في لبنان باعتبار ان لا قيمة للتوافق من دون تثبيت التهدئة وتدعيمها بخطوات سياسية في اتجاه تقوية العلاقة بين البلدين لتأتي متوازنة.