بداية عقد قمة كوبنهاغن للمناخ، وإثر لقائه الرئيس الفرنسي في باريس، توقع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو في مقابلة تلفزيونية (قناة أتش بلاس) ان تتوصل القمة إلى «اتفاق سياسي»، يُرضي الأفرقاء ولا يغضب أحداً، لكن قد لا يلبي طموحاتٍ لحفظ مناخ الأرض، بمقاييس تضمن بقاء الأجناس وأنواعها ولا تُلغي دولاً – جزراً أو تهدّم شواطئ وتضرب مدناً وبلداتٍ ساحلية. فقمّة كوبنهاغن، لا تقلُّ أهمّيةً عن قمة مونتريال قبل نحو 22 سنة ، وانتهت ببروتوكول أُلحق باتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون بصورة واسعة، وكان أنجح اتفاق دولي بيئي. وأدَّى اكتشاف ثقب في طبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي إلى تبني بروتوكول مونتريال وتطبيقه من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. ويدعو البروتوكول إلى الإلغاء التدريجي لإنتاج واستهلاك المركبات التي تستنفد الأوزون من الطبقة العليا من الغلاف الجوي. وأصدرت الدول قوانين وتبنت أنظمة لتنفيذ واجباتها بموجب المعاهدة. ولا يختلف الخطر المحدق بكوكب الأرض جرّاء ارتفاع حرارته عن خطر ثقب طبقة الأوزون، إلا أن معالجة آثار التغيّر المناخي تتطلّبُ أعباء كثيرة وجهوداً تُقلِّصُ النشاط الاقتصادي العالمي أو تزيد تكلفته. فإذا ثبتَ ان ارتفاع درجات الحرارة هي نتيجة العمل البشري فقط ولا أثرَ جيولوجياً فيها مثل ارتفاع حرارة باطن الأرض أو تعرّض الكوكب لعوامل أخرى، فهذا يعني أن على العالم أن يختار بين الحدّ من نشاطاته الاقتصادية ولجم معدلات نموِّه، أو تطوير تكنولوجيا صديقة للبيئة أو ابتكار تجهيزات وآليات تختزن ثاني أوكسيد الكربون من الجو لتؤمن مناخات طبيعية غير مؤذية. وبحسب توقعات معهد بوتسدام للبحوث المناخية ، فإن حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لدى الصين سيرتفع من 8.1 بليون طن في 2007 إلى 16.2 بليون في 2050، والولاياتالمتحدة من 6 بلايين طن إلى 7 بلايين، والهند من 1.9 بليون إلى نحو 7 بلايين طن والاتحاد الأوروبي من 4.6 إلى 5 بلايين طن. ومع اجتثاث الغابات تصير مشكلات الامتصاص أشد صعوبة. لا شكّ في أن حرارة الأرض ترتفع، وتبدو آثارها جليّةً في ذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي وخزانات ثلوج الجبال الشاهقة والقمم العصية. وتُلحظ في امتداد بساط التصحر وانقراض أنواع من الطيور والأسماك والحيوانات البرية والنباتات وغيرها. وقد تتجلّى أكثر في جفاف بحارٍ داخلية وبحيرات وارتفاع منسوب بحار مترافقاً مع اختلالاتٍ مروعة في المناخ تتسبب بكوارث وتهدّد الإنسان في مكان إقامته، وتجلوه عن أرضه ورزقه. فأمام هذه البراهين، والبحوث العلمية المحذّرة وما يُصيبُ القطاع الزراعي من كوارث جرّاء الجفاف أو الفيضانات وعدم ملاءمة المناخ للمنتجات الزراعية التقليدية، لا يمكن للمجتمعين في قمة كوبنهاغن إغفال ما يتهدّد الكوكب من أخطار، تطاول الجميع. واتفاقهم حول بروتوكولٍ جديد لا يعني أن المسألة حلّت، بل تنتظرُ وضع ضوابط عالمية لها تتناول كيفية قياس كمية غازات الدفيئة إلى وسائل تأمين الأموال التي يجب أن تدفعها الدول المتقدمة صناعياً إلى الدول النامية، بما يعادل 100 بليون دولار سنوياً على الأقل، وصعوبة تأمينها. وما يؤملُ، أن العالم بدأ يعي خطورة التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، فبعيداً من «كوبنهاغن» يتوسّعُ الوعي البيئي ويتشاطر علماء وجمعيات غير حكومية الاهتمامات البيئية، وتتخذ حكوماتٌ إجراءات تحدّ من التلوث والانباعثات سواء بالتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة، أو باعتماد وسائل نقلٍ صديقة للبيئة أو ببناء مدنٍ بيئية وحاضراتِ تستهلكُ طاقةً أقل، أو تسعى إلى استغلال الطاقة من موارد جوفية. ونظراً إلى ارتفاع تكلفة امتصاص ثاني أكسيد الكربون وخزنه، وما يتسبب من ضرائب قد تبلغ مئة دولار عن الطن الواحد، يعتمد مسؤولون على حفظ الغابات وإعادة تشجير الأراضي. وتنقل «نيوزيوك» أن حاكم كاليفورنيا «لجأ إلى نظيريه في البرازيل وإندونيسيا، وفيهما أكثر من نصف ما تبقى من غابات استوائية في العالم، للحد من قطع أشجارها، ما يعتبر الطريقة الأقل تكلفة للتخفيف من تأثيرات التغيّر المناخي على المدى القصير، لقاء أن تدفع شركات توليد الكهرباء وغيرها من مؤسسات تطلق غازات الدفيئة، الأموال إلى حكومات الولايات في البرازيل وإندونيسيا لتحافظ على غاباتها». وستحدد الآليات قريباً. لذا فإن إطار كوبنهاغن، الذي يحدد على الأرجح خفض 1.5 أو درجتين حراريتين، يحتاجُ إلى صيغة اتفاق دولي لتغيُّر المناخ تكون فعّالة بيئياً ومستدامة اقتصادياً. ويُنتظر أن تُستكمل الصيغة لاحقاً بأدوات وأطر وحتى بابتكارات بيئية تجعل التخلّص من سموم الفضاء أدنى تكلفة. وجليٌّ أن قمة كوبنهاغن للمناخ تُطلق عصر الصناعات البيئية.