أخيراً ألقيت التهمة على الماشية بالتسبب في ظاهرة الانبعاث الحراري. الحيوانات المجترة، من خرفان وبقر مسؤولة، لأنها تتجشأ غاز الميثان عند الاجترار، وهو مع غاز ثاني أوكسيد الكربون من الأسباب الرئيسة لظاهرة الاحتباس الحراري، هذا ما سارت به الأخبار منذ بدء الحملة العالمية لمواجهة التغييرات المناخية. نسبة المسؤولية اختلف فيها، هل البشر هم السبب أم الحيوانات أم أنها ظاهرة طبيعية «صايرة صايرة»؟ في أستراليا والصين نشاط لمواجهة ذلك، إنتاج خرفان أقل تجشؤاً، من خلال تعديل الأعلاف. لم يتم إجراء دراسة على البعارين حتى الآن، لنعرف حجم تجشئها وآثاره، لكن من النصائح التي ستنتشر خفض استهلاك اللحوم الحمراء، وهو ما سيؤدي لاحقاً إلى خفض تربية الماشية. لا يعرف راعي الغنم البسيط أن فم التيس أو الخروف يخرج غازاً صالحاً للتدفئة والطبخ، بعد جمعه وخلطه بمكونات أخرى، بدلاً من تدمير البيئة بالاحتطاب. وحرصت على ذكر «مكونات أخرى»، حتى لا يقوم أحدهم «بشبك» خرطوم الموقد في فم الخروف قبل ذبحه، لكنني لم أتوقع أن يكون للتجشؤ كل هذه الأضرار، خصوصاً من حيوانات متعتها الاجترار، هذا يستدعي سؤالاً عن مدى أضرار تجشؤ البشر، وهو ما يحتاج إلى دراسة متأنية تستلزم كثيراً من الولائم والمفاطيح وقوة أعصاب. إلا أن هناك تجشؤات في غاية الخطورة يغيب عنها البال، وهي للحقيقة أقل انبعاثات في الدول المتقدمة منها في دول العالم الثالث، وهي الغازات الضارة التي تصدر عن أقلام وصحف موبوءة، بسبب نوع العلائق المستهلكة، إذ إنها تساهم في تلويث صورة الحقيقة، وينتج منها تغرير الرأيين العام والخاص. ولأننا ما زلنا نعاني آثار كارثة جدة، فلا بد من فتح ملف دور الإعلام في هذه الكارثة من أساسها، لا أشك لحظة في أن مهمة لجنة التحقيق كبيرة ومتشعبة، والبيضة الساخنة سيتم تقاذفها بين جهات وأخرى، كما بدأنا نقرأ في الصحف، لكن للإعلام الرسمي والأهلي دوراً في ذلك، ولنترك الأول حالياً، ونضع بعض النقاط عن دور الثاني. لقد تم استئجار أقلام، وأصبحت بعض الصحف شققاً مفروشة، إما عن طريق الإيجار المنتهي بالاستحواذ التام والبرمجة، أو عن طريق القطعة والدلالة «السعي على المشتري»، وتداخلت وظيفة الصحافي مع وظيفة مندوب الإعلانات، في حين تقوم صحف محلية بتسعيرات للعناوين (أمامي فاكس تسويق من واحدة منها)، العنوان في الصفحة الأولى بسعر كذا، والصورة في الملحق الاقتصادي والمقال بسعر كذا. لا بد من فتح ملف فساد الإعلام، ودوره في التخدير وتجميل القبيح. وبعض الدخلاء على الكتابة الصحافية لا يكتفون بمقال في صحيفة، بل يصور «عريف حصة التعبير» غاز ميثانه الضار ببيئة التنمية ومصلحة الوطن، ويدبج عليه خطاباً، ليرسله بالفاكس إلى عدد من المسؤولين هنا وهناك، ومع أنهم يضحكون ويتبرمون من إرسالياته، إلا أنه يجد التشجيع، فهو جزء من فرقة حسب الله. صحيح أن الفرامة جاهزة، لكنه أكثر جاهزية للتلقيم، لأن أوسع ما فيه وجهه وفمه. www.asuwayed.com