مع إصرار إيران على مواصلة تخصيب اليورانيوم وسعيها الى تطوير عشر منشآت نووية في مقابل زيادة احتمال فشل المسار الديبلوماسي، عاد النقاش الإسرائيلي حول خيارات التعامل مع هذا الملف ليحتل أجندة المسؤولين السياسيين والعسكريين. وجددت جهات مختلفة حملاتها الإعلامية الدولية ضد إيران فيما اعتبر الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، يعقوب عميدرور، إعلان إيران تطوير منشآت تخصيب اليورانيوم بمثابة وضع العالم بأسره قيد الاختبار. أما نائب رئيس المعهد الإسرائيلي لأبحاث الأمن القومي، إفرايم كام، فرأى أن عدم نجاح فرض العقوبات على إيران وإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي سيضع الولاياتالمتحدة الأميركية أمام ثلاثة خيارات، الأول عقد صفقة شاملة مع إيران، تسمح لها باستكمال دورة الوقود النووي على أراضيها، الثاني اللجوء الى العمل العسكري والخيار الثالث حصول إيران على السلاح النووي ما يضطر أميركا الى توفير مظلة نووية لحلفائها في المنطقة تضمن تعزيز الردع النووي أمام إيران. أما بالنسبة الى إسرائيل فيرى كام انها ستكون أكثر الدول المهددة من قبل إيران، في الوقت الذي لا تكون فيه قادرة على التأثير المباشر على الجهود السياسية لمنعها من الحصول على قنبلة نووية ويرى كام ان إسرائيل يمكنها في الوضع الحالي لإيران، ان تؤثر في شكل غير مباشر عبر الضغط على الإدارة الأميركية وحكومات الدول الأوروبية، وتسليم معلومات استخبارية عن البرنامج النووي الإيراني من جهة، في موازاة مواصلة التلويح بعدم إسقاط الخيار العسكري والتهديد بتنفيذ عملية عسكرية ضد إيران كوسيلة ضغط ديبلوماسي عليها، من جهة أخرى. ومع التطورات التي شهدها الملف في أعقاب التصريحات التي أكدت مواصلة تخصيب اليورانيوم استبعد الإسرائيليون نجاح الحوار مع إيران لقناعتهم بأنها لن تتخلى عن سعيها لامتلاك قنبلة نووية ولأن الاضطرابات الداخلية في إيران لن تساعد أميركا في حوارها. ورأى سياسيون وعسكريون ان إسقاط الخيار العسكري من التعامل مع إيران، من قبل الولاياتالمتحدة، يعتبر تنازلاً خطيراً ويفرض قيوداً على الخيار العسكري الإسرائيلي. ويرى يعقوب عميدرور ان الخيار العسكري سيعود الى رأس قائمة المسائل الصعبة في حال فشلت المحادثات مع إيران نهائياً واتضح ان العقوبات التي ستفرض عليها لن تؤثر. ويقول: «سيضطر الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية في هذه الحالة الى التصدي لأسئلة كثيرة يكون فيها الحل العسكري هو الجانب الوحيد القادر على مواجهة الخطر النووي الإيراني». أما إفرايم كام فقد حذر من خطر اتخاذ إسرائيل القرار بضربة عسكرية من دون فحص جوانب عدة وبالأساس دقة المعلومات التي تمتلكها حول إيران واحتمالات الفشل ومدى تأثير الضربة على البرنامج النووي الإيراني. ويتوقع كام ان تواجه إسرائيل صعوبات في اتخاذ قرار ضربة عسكرية في شكل منفرد، في ظل التحفظات الأميركية. ولكن في هذا الجانب يعتقد كام ان خلق جو من الخوف في إيران من عملية عسكرية يشكل عنصراً مركزياً رئيساً في تشديد الضغط عليها ويقول: «لقد سبق وذكرت أجهزة الاستخبارات الأميركية في تقريرها عام 2007 أن إيران جمدت عام 2003 العنصر العسكري في برنامجها النووي. ربما يرجع ذلك التجميد من خشية إيران من الهجوم عليها على أثر الخطوة العسكرية الأميركية في العراق. في حين لا يزال الرئيس أوباما يذكر – في أوقات نادرة – أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، ولكن هذه العبارة وحدها على خلفية تحفظات كبار مسؤولي جهاز الدفاع الأميركي على عملية عسكرية لم تعد قادرة على إيجاد التأثير المطلوب مع الإيرانيين». ويضيف كام «عندما يكون التهديد بالعمل العسكري قد تقلص إلى هذا الحد، في مقابل عدم نجاح التهديد في فرض عقوبات، فإن فرصة دفع إيران الى تعليق برنامجها النووي لا يمكن أن تكون كبيرة. ويرى كام ان الوضع الحالي يتطلب من الإدارة الأميركية إبداء رأيها وبشكل فوري بخصوص السيناريو المتوقع في حال لم تؤد المباحثات إلى وقف سعي إيران للحصول على سلاح نووي، إذ إن الإدارة الأميركية لن تنجح في حشد دعم وتأييد دولي لجعل العقوبات أكثر حدة ما قد يضطرها الى التوجه في ثلاثة مسارات: - عقد صفقة مع إيران بما يسمح بمواصلة البرنامج النووي الإيراني، عبر تخصيب اليوارنيوم، وتشديد الرقابة عليها. بشروط أو قيود متفق عليها. وفي هذا الجانب يقول كام انه يجب التأكيد على أن هناك اليوم رغبة متزايدة في المجتمع السياسي والمهني في أوروبا وفي الولاياتالمتحدة لقبول هذا الخيار، ويأمل أن يؤدي ذلك إلى توقف إيران عن صنع الأسلحة النووية. -المسار الثاني العودة إلى الخيار العسكري، ومن حيث المبدأ فإن الأمر ممكن، وهذا ما أكد عليه أوباما نفسه في الماضي. هو على الأقل خيار شرعي في نظره، ولكن إذا اعتبرته الإدارة خياراً واقعياً عليها تجهيز الرأي العام في الولاياتالمتحدة وفي العالم، وخاصة في العالمين الغربي والإسلامي – العربي قبل التنفيذ. - المسار الثالث، وفق كام، يكون في قبول احتمال أن تحصل إيران على السلاح النووي على رغم جهود الاحتواء، وبالطبع هذا هو الخيار الأسوأ للإدارة الأميركية، فهي ملتزمة في منع تحقيقه، ومع ذلك يمكن أن تصل في وقت لاحق إلى استنتاج بأنها لا تستطيع منع إيران من صنع الأسلحة النووية، وبسعر معقول كما حدث في حالة كوريا الشمالية. في هذه الحالة سيطلب منها العمل - حتى قبل أن يصبح السلاح النووي في أيدي إيران – في اتجاهات عدة: ردع إيران من التفكير في استخدام الأسلحة النووية، خصوصاً ضد إسرائيل، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية ضد إيران النووية في الأفعال وفي التصريحات، وكبح الميول المحتملة في بلدان أخرى في الشرق الأوسط من الانضمام إلى سباق التسلح النووي، ومنع إيران من الاستفادة من الدعم النووي لتعزيز مكانتها ونفوذها في الخليج العربي. في المرحلة الحالية تواصل إسرائيل حملة تجنيد المجتمع الدولي الى جانب موقفها من الملف الإيراني مركّزة على إظهار إيران كخطر لا يقتصر على إسرائيل او الشرق الأوسط إنما على العالم بأسره. وأعدت تقريراً جديداً تحت عنوان «إيران بالأرقام» تطرقت فيه الى موقف إيران من إقامة عشر منشآت نووية. وشددت في مقدمة التقرير على ان إيران تسعى الى تضليل المجتمع الدولي في وقت تعتبر فيه الدولة «الرائدة والراعية للإرهاب». التقرير يشمل معطيات سبق أن روجت لها إسرائيل، بخاصة في ما يتعلق بالدعم الإيراني ل «حزب الله» و «حماس» لكنها في معظم تفاصيل التقرير ركزت على خطورة عدم مواجهة إيران حالياً إزاء ما باتت تمتلكه من قدرات تشكل خطراً كبيراً على المنطقة. وأبرز ما جاء في التقرير: - تشغل إيران 5412 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وهناك 125 جهاز طرد مركزي آخر مركبة ولكنها غير مستخدمة في الوقت الحالي. - تملك إيران2.75 كيلوغرام (6.1 باوند) من اليورانيوم المنخفض التخصيب. ويشير التقرير الى انه سبق وذكر ان هذه النسبة ستساعد إيران على امتلاك اليورانيوم المخصب الملائم لتطوير سلاح نووي لإنتاج قنبلتين نوويتين بحلول شهر شباط (فبراير) 2010. وجاء في التقرير «إذا ما استخدمت جميع أجهزة الطرد المركزي البالغ عددها 7052، فسيتم تطوير الأسلحة في وقت مبكر من منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) 2009. - ست دول، بينها العربية السعودية ومصر وتركيا، تسعى الى الحصول على تكنولوجيا نووية إذا استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي، وهذا ما ينذر بسباق تسلح في الشرق الأوسط قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها، بحسب معدّي التقرير. وتحت عنوان «إيران ... راعية الإرهاب» كرر التقرير الإسرائيلي تحريضه على «حماس» و «حزب الله» وحصولهما على دعم إيراني لمواجهة إسرائيل، وعادت إسرائيل في هذا التقرير لتحرض على إيران و «حزب الله» عبر نشر تفاصيل حول سفينة الأسلحة التي احتجزتها في الثالث من الشهر الماضي مدعية أنها كانت تحمل 500 طن من الأسلحة المتطورة وكانت متوجهة إلى «حزب الله» في جنوب لبنان». وجاء في التقرير «هذه الأسلحة تشمل: 9000 قذيفة هاون، و2000 صاروخ كاتيوشا، و3000 قذيفة مدفعية عديمة الارتداد، و20000 قنبلة يدوية وأكثر من نصف مليون طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة». وفي جانب آخر من تفاصيل ما تعتبره إسرائيل إرهاباً إيرانياً منظماً ذكر التقرير ان المسافة التي تغطيها الصواريخ التي تمولها إيران من أجل حركة «حماس» ستين كيلومتراً وإذا ما تم إطلاق هذه الصواريخ من غزة، فيمكنها الوصول إلى تل أبيب. ومما جاء في التقرير تحت بند الإرهاب: - 900 مقاتل من حركة حماس و3000 مقاتل من «حزب الله» تلقوا في إيران تدريبات عسكرية. - بلغت قيمة التمويل الذي تقدمه إيران سنوياً لحركة «حماس» في قطاع غزة حوالى 30 مليون دولار فيما منحت 50 مليون دولار أخرى عقب فوز «حماس» في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، لتعزيز مكانتها وقدراتها العسكرية في آن واحد. - تدفع إيران ل «حزب الله» سنوياً 200 مليون دولار كما منحت إيران مبلغاً إضافياً قدره 300 مليون دولار في أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006. - بلغت قيمة التمويل الذي تقدمه إيران سنوياً لحركة الجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية مليوني دولار. - وصل عدد الانتحاريين في إيران ممن تطوعوا لمهاجمة إسرائيل 70000 شخص. - ينشط «حزب الله» بدعم إيراني في 40 دولة و5 قارات. وعادت إسرائيل لتفتح ملفات قديمة تظهر فيها ما تسميه العمليات الإرهابية الإيرانية ضد إسرائيل وأوردت في تقريرها تفاصيل عملية تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس في الأرجنتين عام 1992 والتي قتل فيها 29 شخصاً وأصيب 242 آخرون. وتطرق التقرير الى قرار المحكمة الأميركية في هذه العملية وجاء فيه: «أقرت محكمة أميركية أن «حزب الله» وإيران هما المسؤولان عن التفجير. وقد منحت المحكمة لعائلة ديفيد بن رفائيل، وهو واحد من ضحايا الهجوم، ومن مواليد الولاياتالمتحدة الأميركية 63 مليون دولار كتعويض عن الأضرار والفوائد المستحقة». وتابع التقرير الإسرائيلي في هذا الجانب نشر تفاصيل عدة عمليات بينها تفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس عام 1994 ومقتل 85 شخصاً وجرح 300. وأضاف التقرير «اتهمت النيابة الارجنتينية العامة حزب الله بتنفيذ الهجوم والحكومة الإيرانية بالتشجيع على تنفيذه».