تحاول إيران انتزاع اعتراف العالم بها كدولة قوية تستعد «للمشاركة في إدارة شؤون العالم». تقول ان حلمها النووي غير قابل للتراجع. تكثر من المناورات العسكرية وتدشن اجيالاً جديدة من الصواريخ. تؤكد ان يدها طويلة وتهدد أعداءها بأثمان باهظة ان اعترضوا طريقها. تبشر «الشيطان الأكبر» باقتراب موعد انهياره. وتبتهج بدوي الحناجر في شوارعها وبجيش القبضات المرفوعة. هذه الصورة الرسمية لا تخفي القلق العميق. بعد ثلاثين عاماً من انتصار الثورة يشعر نظامها انه لا يزال قيد الامتحان. وأنه مرفوض. وأن قرار شطبه او تطويعه ينتظر اللحظة المواتية للانقضاض. وأن قاموسها غير مقبول. وأن الأسرة الدولية تشترط عليها الخروج من عباءته او تغيير مفرداته. تتصرف ايران كأن المواجهة حتمية. قلقها من اليد الممدودة إليها لا يقل عن قلقها من السبابة التي تحذرها او تتهمها. ترى في دعوات الحوار فخاً او محاولة استدراج. تكاد لا تثق بأحد. غريبة عن القاموس الدولي. وليست موضع ترحيب كبير في الإقليم. وحيدة حين تقف امام الغرب. وتتذكر انها من الأقلية حين تقف في بحر العالم الإسلامي. يقلقها الاختلاف فتشعر برغبة في تغيير العالم. تنتدب نفسها لمهمة مستحيلة ومجازفة محفوفة بالأخطار. رفضُ ورثة الخميني تبريد جمر الثورة في كنف الدولة أبقى اصطدامها بالعالم ومحيطها قائماً. أشعرها انها قيد الاستهداف والتهديد. وهي ردت بالسعي الى امتلاك أوراق الاستهداف والتهديد. اتخذت هذه الأوراق اشكالاً عدة. ذكّرت طهران كثيراً بقدرتها على تهديد أمن النفط. ذكّرت ايضاً بقدرتها على تهديد أمن اسرائيل من جنوب لبنان او غزة. اظهرت قدرتها على امتلاك اوراق داخل حدود عدد من الدول في المنطقة. وحين اطلقت حلمها النووي بدا واضحاً انها تريد النوم على وسادة نووية لحماية نظامها ومعه ما تعتبره حقها في الزعامة في الإقليم. لا ينكر اهل الإقليم ان ايران دولة كبرى بمقاييس المنطقة. وأنها دولة عريقة وتستحق دوراً بارزاً في الإقليم. لكن اصرار ايران على فرض قاموسها حوّل سياساتها القلقة الى مصدر اقلاق. فمن شروط التعايش الطبيعي في الإقليم دخول الدول عبر بواباتها الشرعية. والبحث عن لغة منتصف الطريق واحترام المصالح والحق في الاختلاف في الخيارات. وساهم الاختلال الفظيع في موازين القوى غداة اطاحة نظام صدام في مضاعفة شهية ايران ومضاعفة مخاوف القلقين من سياساتها. صورة ايران القلقة والمقلقة في علاقتها بالخارج ازدادت تعقيداً بعد الانتخابات الأخيرة التي ضمنت لمحمود احمدي نجاد ولاية جديدة. للمرة الأولى خسر النظام الإيراني صورة القلعة المتراصة في الداخل . بات لديه ما يقلقه. انه يصطدم الآن بجزء من الشارع. بجزء من الجيل الذي ولد وترعرع في ظل الثورة. والدليل الإجراءات التي اتخذها تحسباً لمظاهرات الطلبة المتوقعة اليوم. ليس بسيطاً ان تدخل ثورة في سوء تفاهم عميق مع الملايين من ابنائها. ويصعب تصديق ان هؤلاء تحركهم اصابع «الشيطان الأكبر». الطريقة التي ادارت فيها ايران معركتها المتعلقة ببرنامجها النووي اضعفت قدرة روسيا والصين على الاستمرار في عرقلة الاتجاه الى فرض عقوبات جديدة ضدها. يمكن القول ان ايران تتجه الى قدر من العزلة خصوصاً في نادي الكبار. والتطور مقلق فهذه الدولة اعتادت مداواة قلقها بمضاعفة القدرة على الإقلاق. ويخشى ان تستغل اسرائيل هذا الواقع فنستيقظ ذات يوم على شرارة حريق كبير في الإقليم.