طغت أمس أنباء متضاربة عن سقوط القصر الرئاسي (المعاشيق) في عدن في قبضة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في صفوف الجيش اليمني، الذين واجهوا مقاومة شديدة ومعارك كرٍّ وفرٍّ مع أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي، سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى. كما دمّر القصف عشرات المباني. ووزّعت وكالات أنباء عالمية صوراً لأنصار «الحراك الجنوبي» وهم يقيمون حواجز تفتيش في منطقة خور مكسر في عدن، ما يشير إلى عدم سقوط كل أحيائها في يد جماعة الحوثيين. وانتهز تنظيم «القاعدة» في اليمن حال الفراغ السياسي وانفلات الأمن، فشنّ مئات من عناصره هجمات متزامنة في الساعات الأولى من يوم أمس، طاولت كل المواقع العسكرية والأمنية والحكومية بما فيها القصر الرئاسي في المكلا، كبرى مدن حضرموت (شرق)، قبل أن يسيطر عليها ويحرر أكثر من 300 سجين، بينهم قادة في التنظيم، في ظل عمليات نهب طاولت فرع البنك المركزي والمقار الحكومية، ومحاولات متكرّرة لقوات الجيش لاستعادة المدينة. وجاءت هذه التطورات، فيما تواصلت لليوم الثامن الغارات الجوية لطائرات التحالف العربي المشاركة في عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية. وقصف التحالف أمس مواقع للحوثيين ومعسكرات للدفاع الجوي ومخازن أسلحة تابعة للقوات الموالية لعلي صالح، في صنعاء، وصعدة، وحجة، والحديدة وأبين، وعلى طول الشريط الحدودي الشمالي الغربي. وتضاربت الأنباء الواردة من عدن عن إنزال برّي نفّذته قوات التحالف، في حين شهدت صنعاء هدوءاً أثناء النهار، وتردّدت معلومات عن هبوط طائرة روسية في مطارها لإجلاء الرعايا الروس. من جهة أخرى، قلّل وزير الخارجية اليمني بالوكالة رياض ياسين من أهمية الهجوم على القصر الرئاسي في عدن، معتبراً أن قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح استهدفته لإشاعة البلبلة بين أبناء عدن. وقال ل«الحياة»: «القصر الرئاسي مقفل، ولا يوجد به أحد، وأن استهدافه لا مبرر له»، مضيفاً أن القوات التابعة لصالح تستخدم الأسلحة التي منحتها إياهم أميركا لمكافحة الإرهاب في وقت سابق، لإرهاب المواطنين في عدن واليمن. وأكد ياسين أن شقاقاً واضحاً بين علي صالح وميليشيات الحوثي، وقال: «علي صالح خان الحوثيين، لذلك يريدون قتله، وهو الآن يتخفى هنا وهناك، وهناك احتمال كبير أن علي عبدالله صالح هرب إلى خارج اليمن». واعتبر أن هجوم المتمردين الحوثيين على مركز حصن الحدود السعودية أمس، دليل على التخبط الذي تمر به الميليشيات، مضيفاً: «صالح والحوثيون لا يراعون عهداً أو حرمة مسلم، ويهدفون إلى قتل الأبرياء وذبحهم». ودعا وزير الخارجية اليمني الذي يقيم في الرياض حالياً إلى تكثيف الهجمات الجوية على الحوثيين والإسراع في تنفيذ الهجوم البري والبحري في القريب العاجل. في غضون ذلك، سادت مخاوف من أن يستغل تنظيم «القاعدة» حال الانفلات في اليمن للسيطرة على مناطق في حضرموت، وشبوة، وأبين، بالتزامن مع التقدُّم الحوثي الذي تسانده قوات علي صالح للسيطرة على كل مدن الجنوب، وصولاً إلى حضرموت. وأكدت مصادر أمنية وعسكرية ل«الحياة» أن مئات من المسلحين التابعين ل«القاعدة» شنوا هجمات متزامنة في وقت مبكر أمس، طاولت مدينة المكلا الساحلية، مستخدمين الأسلحة المتوسطة والقذائف الصاروخية. واستهدفوا القصر الرئاسي وفرع البنك المركزي، ومبنى المحافظة، ومقار الأمن العام، وشرطة الدوريات وقوات الأمن الخاصة، وقيادة المنطقة العسكرية الثانية، وميناء المدينة. وانتشر مسلحو «القاعدة» في المدينة، وشوهدت شاحنات لهم تغادر محمّلة بالأموال التي نهبوها من البنك، والأسلحة التي استولوا عليها من المقار الأمنية، في ظل عمليات نهب وفوضى عارمة، بعدما أباح المسلحون للأهالي السطو على معدات المنشآت الحكومية وتجهيزاتها، وأحرقوا مبنى المحافظة وفرع البنك. وشنت قوات الجيش والأمن هجوماً معاكساً طوال النهار لإجبار المسلحين على الانسحاب، مستخدمة مروحيات ومستعينة بالقصف الصاروخي الذي أثار هلعاً، في وقت تضاربت الأنباء حول الخسائر البشرية. لكن مصادر طبية أكدت مقتل 25 جندياً، معظمهم من حراس المقار الأمنية والحكومية، إضافة إلى سقوط عشرات الجرحى، بينهم مدنيون. وأطلق المسلحون حوالى 300 سجين من السجن المركزي للمدينة، بينهم عشرات من أنصار «القاعدة»، وضمنهم أحد أخطر قادة التنظيم ويدعى «خالد باطرفي» الذي مضى على سجنه نحو عامين. كما اقتحموا المساجد وألقوا خطباً في الأهالي ليؤكدوا أن سيطرتهم على المدينة تهدف إلى «حمايتها من الحوثيين والرئيس السابق علي صالح». وفي عدن، أكدت مصادر أمنية وشهود أن ميليشيا الحوثيين وقوات الجيش المساندة لها تمكنت أمس، على رغم غارات التحالف، من اقتحام كريتر ووصلت إلى القصر الرئاسي في منطقة «معاشيق» بعد اشتباكات عنيفة في حي خور مكسر، وعدد من أرجاء المدينة، ومعارك كرّ وفرّ مع المسلحين الموالين للرئيس هادي. وذكرت مصادر طبية أن القتلى 30 حوثياً و20 من أنصار هادي ومسلحي «الحراك الجنوبي»، وأن منازل ومتاجر ومباني سكنية تعرضت للقصف، ما أدى إلى تدمير بعضها، ونشوب حرائق في بعضها الآخر. ووصلت إلى ميناء عدن سفينة حربية يُعتَقَد بأنها صينية لإجلاء رعايا من جنسيات عدة، لكنها أُجبِرت على المغادرة بعد تعرُّضها لإطلاق نار، وظن كثيرون في البداية أنها تحاول تنفيذ إنزال بري لقوات التحالف العربي. وقصفت طائرات «عاصفة الحزم» أمس معسكر «الجبانة»، وكتيبة الدفاع الجوي التابعة له بين الصليف والحديدة قرب البحر الأحمر، واستهدفت قوات خفر السواحل في ميدي (شمال غربي)، وشنت غارات على كتيبة للدفاع الجوي في مدينة شقرة بأبين (جنوب). وذكرت مصادر عسكرية أن الغارات طاولت ليلاً مواقع عسكرية في صنعاء ومحيطها، ومخازن يُعتقد بأنها للسلاح والذخائر، كما امتدت إلى صعدة وحجة بامتداد الحدود مع السعودية، وأوقعت قتلى وجرحى من العسكريين. وفيما خصصت عمان والسعودية معابر لإجلاء الرعايا الأجانب من اليمن، تجدّدت تحذيرات المنظمات الإنسانية من عواقب توقُّف إمدادات الأغذية والأدوية والمحروقات. وفي نيويورك، أكدت مصادر خليجية أن «محادثات جدية تتم بروح تعاونية مع روسيا والدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن» في شأن مشروع القرار المعني باليمن، وقالت إن «الاحتمال وارد» أن يتم التوافق على مشروع القرار في اليومين المقبلين إذ «لا نقاط صعبة هناك وإنما صياغات، ونحن ندفع نحو الاتفاق بأسرع ما يمكن». وتجري دول مجلس التعاون الخمس (عمان لا تشارك) سوية مع الأردن العضو العربي في مجلس الأمن، الذي تترأسه السفيرة دينا قعوار للشهر الجاري، سلسلة اجتماعات متواصلة مع مندوبي الدول الخمس، ويتناول مشروع القرار عناصر وشروط العودة إلى التسوية السلمية في اليمن.