يترقب الوسط السياسي اللبناني عقد الجلسة النيابية لمناقشة البيان الحكومي الثلثاء المقبل، ومدى انعكاس أجواء المصالحات عليها وجهود التوافق التي أنتجت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، خصوصاً أن مداخلات النواب طالبي الكلام ستتناول مواضيع خلافية ودقيقة مثل موضوع سلاح المقاومة وإلغاء الطائفية السياسية والعلاقات اللبنانية – السورية فضلاً عن السرعة في معالجة عدد من الملفات الاقتصادية والمعيشية الساخنة والملحة التي بدأت تسابق نيل الحكومة الثقة، خصوصاً ملف أزمة السير، في ظل اختناق شوارع العاصمة، ما دفع وزير الداخلية زياد بارود عند انحباس سيارته في أحد تقاطعات وسط بيروت الى النزول منها على الأرض ليتولى بنفسه تنظيم المرور، بعدما اكتشف غياب شرطيي السير عن الموقع، ما أدى الى اتخاذه تدابير مسلكية في حق المسؤولين عن ذلك. وبينما تزدحم المواضيع التي ستتناولها خطب النواب طالبي الكلام في جلسة الثقة، والذين ناهز عددهم نصف أعضاء البرلمان، بدءاً من بعد غد الثلثاء، سجلت حركة سياسية لافتة لرئيس الحكومة من أجل «تنظيم سير» المناقشات، تحت عنوان ضبط الإيقاع السياسي للسجال المنتظر تحت قبة مجلس النواب على قاعدة إثارة كل المواضيع وتأكيد المواقف المبدئية مع مراعاة أجواء المصالحات السائدة، لإنجاح عمل الحكومة الجديدة بحيث لا يعكّر السجال أجواء التوافق وتنفيذ مجموعة من المهمات التي التزم الحريري وسائر الوزراء، عبر البيان الوزاري، بمهلٍ لتنفيذ عدد منها. وأهم هذه المهل ثلاث: الوعد برفع مستوى إنتاج التغذية بالكهرباء بحجم 600 ميغاوات، خلال سنة (هي حالياً قرابة 1300 ميغاوات فيما الطلب يراوح بين 1800 و2000)، إنجاز التعديل الدستوري الرامي الى خفض سن الاقتراع الى 18 سنة وتمكين اللبنانيين غير المقيمين من الاقتراع، في مهلة أقصاها 6 أشهر، وإنجاز القانون الجديد للانتخاب خلال 18 شهراً. وسعى الحريري الى استباق جلسة الثلثاء بتأكيد حرصه على ضبط إيقاع المواقف عبر ترؤسه اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية بعد ظهر أمس. وفيما ركز البيان الصادر عن الكتلة على «الجو الوفاقي الذي يسود منذ تشكيل الحكومة» وعلى أن «أولويات المواطنين هي أولويات الحكومة»، علمت «الحياة» أن الحريري أراد وضع أعضاء كتلة «المستقبل» في أجواء قراءته للوضع السياسي انطلاقاً من المعطيات التي توافرت لديه خلال الأسابيع الماضية، مشدداً على أن الصياغة النهائية للبيان شكلت تطوراً في التعاطي مع العديد من الأمور في الكثير من البنود. وقالت مصادر متعددة في الكتلة ل «الحياة» إن الحريري أوضح أن بنوداً عدة لقيت تفاهماً سلساً وإيجابياً بين قوى الأكثرية والمعارضة في لجنة صوغ البيان الوزاري وفي اجتماع الحكومة، لا سيما البند المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والشق الاقتصادي والبرامج الإصلاحية، وأن البيان تضمن مقاربة غير مسبوقة في ما يخص البيئة، وأن بعض وزراء المعارضة ساهموا في صوغ بعض البنود بطريقة فعالة بحيث قدموا إضافة الى البيان «وهذا في حد ذاته يشكل منطلقاً إيجابياً». وأوضح نواب في الكتلة ل «الحياة» أن الحريري قال إنه «نتيجة ما لمسناه من أجواء إيجابية من المهم أن نحفظ الجو الوفاقي لأنه يساعد على حسن سير الأمور. وأنا لا أريد التأثير في قناعات أحد ولا أريد أن أسأل أياً منكم ماذا سيقول أو أن أطلب منه أن يقول أشياء معينة، بل ما أحرص عليه هو أن ندلي بملاحظاتنا في القضايا الخلافية بأسلوب إيجابي وليس بأسلوب استفزازي والبيان الوزاري وفّر صياغات (في القضايا الخلافية) متقدمة يمكننا الانطلاق منها من أجل طرح ملاحظاتنا. وأنا أعتقد أن الواحد منا يمكنه أن يطرح أحياناً حتى الأمور التي هناك توافق عليها بطريقة تكون استفزازية، ويمكنه طرح القضايا الخلافية بطريقة إيجابية تغني النقاش». وأعطت المصادر النيابية مثلاً على ما قاله الحريري بالإشارة الى أن العبارة التي أضيفت على البيان الوزاري في آخر جلسة لمجلس الوزراء يمكن الانطلاق منها لطرح موضوع السلاح والمقاومة (في البند السادس) وهي التي تنص على أن الحكومة «تؤكد العمل لتوحيد موقف اللبنانيين من خلال الاتفاق على استراتيجية وطنية لحماية لبنان والدفاع عنه تُقر في مؤتمر الحوار الوطني». وأبلغ أحد نواب «المستقبل» الى «الحياة» أن الحريري تناول في مداخلته التطورات المأسوية في فلسطينالمحتلة وتصاعد وتيرة الاستيطان وطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس والتصعيد في الإجراءات الإسرائيلية، داعياً الى التنبه لما يجري في المنطقة ومخاطره في ظل المشاكل الإقليمية المتعددة. واعتبر أن من الواجب العمل في هذه الظروف على تحصين التضامن العربي وتعزيزه من دون أن يتم ذلك على حساب لبنان.