أصدر مدير التلفزيون الإيراني أخيراً عزت الله زرغمي، الذي صدر قرار مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي بتجديد ولايته خمس سنوات كمدير للتلفزيون، قراراً بحظر ما سماه «تبرج المذيعات»، بحجة أنه غير شرعي ومخالف للشريعة، مع التوصية بأن يقتصر في محاورة الضيفات في البرامج من مذيعات نساء فقط، مع الإشارة إلى أن التلفزيون الإيراني يمتلك ثماني قنوات و15 محطة إذاعية. إننا ندرك جميعاً أن المرأة الإيرانية، التي فُرضت عليها وسائل قمع الحرية كافة، منذ بداية الثورة الإيرانية عام 1979ميلادية، لم تظهر أو تشارك في وسائل الإعلام الرسمية كافة إلا بالحجاب الشرعي، ولم يحصل سابقاً أو أخيراً ما يخالف ذلك، ولكن من حقنا أن نتساءل عن أهمية صدور مثل ذلك القرار في هذا الوقت؟ إن ثمة حقيقة من الواجب التسليم بها، هي أن المرأة الإيرانية الحاضرة في السنوات الأخيرة لم تعد هي المرأة التي أطلت عليها الثورة الإيرانية ذاتها، إذ ظهرت أخيراً وهي تسعى وبكل ما أوتيت من قوة، للتحرر من قيود السلطة الدينية الأصولية المتشددة، التي حرمتها كثيراً من حقوقها، حتى شهدت الساحة الإيرانية في الآونة الأخيرة نشاطاً ثقافياً نسوياًّ إيرانيّاً كبيراً، أشارت إليه صحيفة «النيويورك تايمز»، بأنّ 370 امرأة إيرانية كتبن كتباً مختلفة أخيراً، تخالف التوجّه الدّينيّ والسّياسيّ الملاليّ في إيران، وأن مبيعات الكتابات النسائية الإيرانية، تفوّقت على مبيعات الكتابات الرّجالية، وذلك لتعمقها في عدد من القضايا المحظورة وتحديها للأصولية الدينية. لذلك سعى المسؤولون الإيرانيون الأصوليون لفرض عدد من القرارات المتطرفة لمواجهة ذلك التحدي النسوي، ولقد شهدت الساحة الإيرانية أخيراً بروز اسم المذيعة الشابة «فرناز قاضى زاده»، مذيعة محطة «بي بي سي» الفارسية، التي لم تعتبر فحسب إحدى أشهر الوجوه داخل إيران، بل ومن أكثر الناس تأثيراً في الشارع الإيراني، لدرجة يمكن القول معها، إنها هي المرأة التي غيّرت إيران وزعزعت نظام الملاليّ، حتى اعتبرتها «النيوزويك» الأميركية من أبرز 20 شخصية مؤثرة في الدولة الإيرانية، على حين اكتفى المسؤولون الإيرانيون باتهام «فرناز» وغيرها بالجاسوسية. إن القرار الذي أصدره زرغمي، هو مطلب للأصوليات المتشددة كافة، الساعية لتحجيم دور المرأة باختلاف مذاهبها وتوجهاتها وأماكنها، فلقد سبق أن طالب عدد من الدعاة الصحويين لدينا في الفترة الماضية بحظر مشاركة وظهور المرأة السعودية مذيعةً في القنوات التلفزيونية الرسمية، على رغم ظهورها بحشمتها والتزامها بالحجاب الإسلامي، ولتسويق تلك المطالبات قامت عدد من مواقعهم الالكترونية الإخبارية بالترويج لشائعة خبر إلزام المذيعات السعوديات بالظهور بالعباءة في القنوات الرسمية، كرد فعل تجاه تلك المطالبات، وتبعها لاحقاً إصدار فتوى للشيخ عبدالرحمن البراك، «بأنه لا يجوز للمرأة أن تخرج في القنوات ولو كانت متحجبة، وأن مشاركتها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تترتب عليها مخالفات شرعية، من خروج بلا حاجة، ومخالطة للرجال، وتصوير لشخصها حتى وإن كانت محجبة». ما أريد الوصول إليه هو أن المرأة التي استطاعت أن تنال حقوقها بعد حرمان، واستطاعت أن ترتقي سلم الفاعلية والحضور في المجتمع، سواء الإعلامي منها أو غيره، على رغم كل الدعوات المعارضة لها فإنه من غير الممكن أن تلتفت للماضي، الذي أصبح بالنسبة لها نسياً منسياً، بل إن مثل تلك الدعوات لا تزيدها إلا إصراراً على نيل حقوقها كافة، إن عاجلاً أم آجلاً. [email protected]