تستبعد مصادر وزارية أن يلجأ «حزب الله» الى تصعيد موقفه في اتجاه الانسحاب من الحكومة أو الانكفاء عن حضور جلسات مجلس الوزراء على خلفية الموقف الذي اتخذه رئيسها تمام سلام في قمة شرم الشيخ من العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع عدد من الدول العربية لإعادة الشرعية الى اليمن وأيد فيه إنشاء قوة عربية مشتركة وتلبية نداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. ولقي موقف سلام رداً من الوزير حسين الحاج حسن اعتبر فيه أن ما أدلى به الرئيس سلام «يعبّر عن وجهة نظر قسم من اللبنانيين ولا يعبّر عن وجهة نظر لبنان الرسمي المتمثل بالحكومة وسنطرح هذا الأمر للنقاش في أول جلسة لمجلس الوزراء». وتتعامل المصادر الوزارية مع اعتراض «حزب الله» على موقف سلام على أنه يبقى في حدود تسجيل موقف لن يطوره الى الخروج من الحكومة. وتؤكد أن الحزب أراد من خلال ما صرح به الوزير الحاج حسن تمرير رسالة اعتراضية تتجاوز الساحة اللبنانية الى الخارج، وتحديداً الى الأطراف اليمنيين المناوئين لعملية «عاصفة الحزم»، خصوصاً في ظل رد الفعل الإيراني الرسمي الذي التزم فيه الأعراف الديبلوماسية ولم يذهب في هجومه على المملكة الى الحد الذي ذهب إليه السيد حسن نصرالله. وتلفت المصادر نفسها الى أن «حزب الله» توخى من رد الحاج حسن أن يعلم سلام بعدم موافقته على كل ما قاله في خطابه في قمة «شرم الشيخ». وتقول: «لم يكن في وسعه سوى أن يظهر اعتراضه الشديد ليوجه من خلاله رسالة الى رئيس الحكومة بأن يده ليست طليقة في إصدار مواقف وتحديداً من النزاع الدائر في اليمن الذي هو موضع اختلاف بين اللبنانيين». وتلفت الى أن رئيس الحكومة هو الناطق الرسمي باسمها وأن محاولة وزير الخارجية جبران باسيل أن يبرز تمايزه عن سلام بعد انفصضاض قمة «شرم الشيخ» تصب في خانة استرضاء الحزب حرصاً منه على تحالفه معه، على رغم أنه أول من هنأ سلام على خطابه على مرأى من أعضاء الوفد اللبناني. وتعتقد أن أكثر ما يطمح إليه الحزب في اعتراضه على خطاب سلام هو أن يسجل في محضر جلسة مجلس الوزراء التي تعقد اليوم أنه لا يؤيد ما قاله رئيس الحكومة ونقطة على السطر. وتعزو المصادر عينها السبب الى وجود تلازم بين مسار الحوار القائم حالياً بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبين المسار الآخر الذي يقضي بالبقاء على حكومة المصلحة الوطنية في ظل استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى وبالتالي لا يمكن لهذا الحوار أن يستمر إذا ما انسحب الحزب من الحكومة. وتضيف: «يبقى من الأسهل على الحزب أن ينسحب من الحوار بدلاً من الخروج من الحكومة، لكن إصرار السيد نصرالله على استمراره سينعكس على بقاء الحكومة بكل مكوناتها». وتؤكد هذه المصادر أن الحزب لن يغامر بخروجه من الحكومة لأن إقدامه على دعسة ناقصة بهذا الحجم لن يصرف في أي مكان في السياسة في ظل الحرائق التي ما زالت مشتعلة في المنطقة وتترافق مع عدم قدرة النظام السوري على حسم الوضع العسكري ضد معارضيه الذين نجحوا أخيراً في السيطرة على محافظة إدلب. ناهيك بأن الحزب - كما تقول المصادر الوزارية - ليس في وارد التفريط بالحكومة باعتبار أن وجوده فيها يؤمن الملاذ الشرعي له الذي يمنع انكشافه، خصوصاً على الصعيدين الدولي والإقليمي على خلفية وقوفه الى جانب «الحوثيين» في اليمن وانخراطه في الحرب الدائرة في سورية الى جانب الرئيس بشار الأسد. وبكلام آخر، فإن الحزب أول من يدرك أن بقاء الحكومة بات أكثر من حاجة دولية، ويعلم أيضاً بتفاصيل الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي لتسهيل ولادتها، لا سيما أنه أراد عبر تشكيلها أن يقول إنه أعطى فرصة للبنانيين ليبقوا على بلدههم على قيد الحياة بالمعنى السياسي للكلمة لعل وجود هذه الحكومة يقف سداً منيعاً دون تعميم الفراغ على المؤسسات الدستورية الأخرى في ضوء تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد. كما أن الحزب، في ظل مواصلة استعداده للتصدي لأي عدوان إسرائيلي مفاجئ على لبنان، يجد نفسه معنياً أكثر من غيره ببقاء هذه الحكومة لأن عدم وجودها يفقده ورقة أساسية سيكون مضطراً إليها كشرط لقيام لبنان بتحرك دولي وخارجي لردع العدوان. لذلك، كما أن للفراغ في السلطة الإجرائية محاذيره التي يأخذها «حزب الله» بعين الاعتبار، فإن للفراغ الآخر في المؤسسة العسكرية محاذيره أيضاً لأن أي شكل من أشكال الفراغ في جميع المؤسسات الأمنية سيرتد سلباً على الوضع الداخلي مع رفع جاهزية القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش في تصديها لمحاولات الإخلال بالأمن أو لقيام المجموعات الإرهابية المسلحة بعمليات عسكرية لخرق المناطق الجردية في البقاع الشمالي. وعلمت» الحياة» من مصادر ديبلوماسية غربية بأنه سيكون للفراغ في المؤسسات العسكرية، وأولها الجيش، تداعيات قد تدفع في اتجاه إعادة النظر في المساعدات العسكرية له من قبل الدول المانحة أو الممولة لبرامج تسليحه. وعليه، وفي انتظار السجال الذي يشهده مجلس الوزراء، على خلفية انتقاد «حزب الله» لموقف سلام في «شرم الشيخ»، لا بد من التوقف أمام تشديد بري في تقريره السياسي أمام المؤتمر الثالث عشر لحركة «أمل» على دور الأخيرة في تعزيز الحوار المستمر بين «حزب الله» و «المستقبل» وأيضاً دورها في تدوير الزوايا في كل القضايا الوطنية، خصوصاً تشكيل الحكومات واستمرارها. في ضوء كل ذلك، ترى مصادر وزارية أن بري، بمواقفه هذه، يمسك بالعصا من الوسط للحفاظ على حد أدنى من التوازن السياسي وبالتالي لن «يتناغم» مع «حزب الله» إذا ما لجأ الى الانسحاب من الحكومة على رغم أن مصادر من «أمل» تؤكد ل «الحياة» أن السجال الذي يشهده مجلس الوزراء سيبقى تحت السيطرة ولن يحمل مفاجآت تدفع بالبلد الى المجهول. وتؤكد المصادر أن الحزب أراد من اعتراض الحاج حسن أن يهز العصا للحكومة، إنما على طريقته، لإشعار رئيس الحكومة بعدم التفرد بالموقف من دون أن يغامر بالخروج منها لأن لا بدائل له ولغيره عنها سوى إقحام البلد في مرحلة جديدة من الفوضى لا يرى فيها مصلحة له أولاً، ولا تخدم استمرار حواره مع «المستقبل» ثانياً لأن ما يتطلع إليه من تنفيس للإحتقان المذهبي والطائفي سيطل برأسه مجدداً، من الباب الواسع، لا سيما أن موقف سلام، وإن اعتبر رداً على خطاب السيد نصرالله، فإن مجرد لجوء طرف شيعي الى الاستقالة من الحكومة يعني للسنّة أن هناك من يريد تحويل النظام في لبنان الى نظام مجلسي في ظل الفراغ في الرئاسة مقروناً بتطيير الحكومة. وهذا يلقى معارضة من بري قبل الآخرين.