أكدت القمة الروحية الإسلامية- المسيحية التي انعقدت في بكركي أمس، أن «رئيس الجمهورية المسيحي الماروني هو الضمانة الأساسية لاستمرارية العيش معاً، وبالتالي بقاء الدولة اللبنانية»، معربة عن «قلقها واستيائها جراء استمرار الفراغ في سدة الرئاسة لما يشكله هذا الفراغ الدستوري من خطر على سيادة لبنان وأمنه وسلامته وصيغته الحضارية التي يعتبرها رسالة إلى محيطه والعالم». وجددت القمة دعوتها القوى السياسية كافة إلى «الاحتكام إلى المصلحة الوطنية العامة وإيلائها الأفضلية على كل مصلحة أخرى وذلك للخروج من دوامة الدوران في فراغ جلسات الانتخاب العقيمة التي لم تؤد حتى الآن إلا إلى استمرار هذا الفراغ وتضاعف مخاطره». وشارك في القمة الروحية التي عقدت بدعوة من البطريرك الماروني بشارة الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة ممثلاً بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي ورؤساء سائر الطوائف الأخرى. وشددت القمة في بيان ختامي بعدما وزّع نصّه على المشاركين لوضع الملاحظات الأخيرة عليه وإجراء التعديلات اللازمة، على أن «التأخير في انتخاب رئيس ينسحب سلباً على كل المؤسسات الدستورية والعامة وتتعطل الواحدة تلو الأخرى ويتم ملء الوقت الضائع بمحاولة استنباط حلول لمشاكل تنجم عن هذا القرار بينما المطلوب واحد وهو الاحتكام إلى صندوق الاقتراع في المجلس النيابي وفقاً للدستور». ورأى المجتمعون أن «الحوارات المستمرة بين بعض الفرقاء والتي نشجع على استمرارها، لم تثمر إلا القليل ولم تلامس الوجع الأساسي»، مشددين على أن «موضوع انتخاب رئيس يجب أن يبقى الموضوع المحوري والملح». وناشدوا المسؤولين «ضرورة إيلاء الشأنين الاقتصادي والاجتماعي عناية فائقة». ولفتوا إلى أن «المثل لمعالجة القضايا هو التعجيل في إقرار الموازنة العامة للدولة». ورأوا أن «الحروب والنزاعات في سورية والعراق خلَّفت مآسي لا تُعدّ بمقتل مئات الآلاف وتدمير العديد من المدن والبلدات والقرى وتهجير ما يزيد عن مليون ونصف المليون من النازحين السوريين إلى لبنان، فضلاً عن آلاف النازحين العراقيين وما يزيد على نصف مليون لاجئ فلسطيني». وأشار المجتمعون إلى أن «دخول النازحين السوريين غير المنظم وانفلاشهم على امتداد الجغرافيا اللبنانية، أديا الى تخطي طاقة لبنان على الاحتمال في المستويات كافة»، لافتين إلى أنه «لا يمكننا أن ننسى الظروف اللاإنسانية التي يعيشها هؤلاء وتحتاج إلى تحرك فاعل يهدف إلى زيادة المساعدات الإنسانية». ولفت المجتمعون إلى أنه «يجب أن يدرك المجتمع العربي والدولي أن لدى لبنان قدرة استيعاب محدودة لعدد النازحين الذين يمكن احتضانهم لفترة محددة». وشددوا على ضرورة «التصدي لظاهرة الإرهاب التي تجتاح المنطقة والتي تتلبس لباس الدين وتتوسل التكفير والعنف ورفض الآخر، ومواجهتها بجدية، ثقافياً وتربوياً وسياسياً واقتصادياً، بتوحيد صفوف الاعتدال وتعزيز مواقعه وتصويب الخطاب الديني الذي يؤكد على المصالحة والتسامح والتعايش ويبتعد من مصطلحات الإقصاء والإلغاء». وحذروا من «إلباس الحياة السياسية وجهاً طائفياً أو مذهبياً في عالمنا العربي»، متوقفين «أمام ما أقدمت عليه الحركات الإرهابية من إلغاء الحدود والتوجّه نحو الخيار التقسيمي في المنطقة، لأن هذا يلتقي مع المخطط الصهيوني المعروف والهادف إلى تفتيت المنطقة بأسرها الى دويلات طائفية صغيرة، ما يتيح للكيان الإسرائيلي أن يكون الأقوى في المنطقة». ورأى المجتمعون أن «موجات العنف والإرهاب لم توفر أياً من الطوائف والمذاهب والمكونات المجتمعية في البلدان المختلفة إلا أنها توقفت عند ما يتعرض له المسيحيون المشرقيون من ملاحقة وقهر وتشريد وتهجير، وكان آخرهم أبناء الطائفة الأشورية». وأكدوا أن «ما يميّز بلداننا المشرقية منذ القديم هو التعايش بين أديان متعددة والتفاعل بين حضارات متعددة والحضور المسيحي في هذه البلدان هو حضور أصلي وأصيل سبق ظهور الإسلام بعدة قرون وهو مستمر، ولا يزال لهذا الحضور دور أساسي في إعطاء هذا المشرق مكوناً أساسياً في هوية المنطقة». وتوقفت القمة «باهتمام أمام التطورات السياسية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة العربية، وخصوصاً في اليمن»، معربة عن تمنياتها ب «احتواء هذه التطورات بما يحفظ للدول العربية أمنها وسيادتها ووحدتها ويحقق لها ما تصبو إليه شعوبها من استقرار وازدهار». وأقر المجتمعون في التوصيات «مأسسة القمة الروحية وجعل اجتماعاتها العادية فصلية». وطالبوا ب «الإفراج عن جميع المخطوفين والأسري المدنيين والعسكريين والروحيين وفي طليعتهم المطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجي». وأشادوا ب «الدور المسؤول والبنّاء الذي يقوم به الجيش والقوى الأمنية في حماية أمن لبنان وسلامته واستقراره ورد العدوان الذي يحاول التسلل إليه عبر الحدود»، داعين إلى «تأمين كل حاجات الجيش والقوى الأمنية من أسلحة ومعدات حتى تتمكَّن من مواصلة أداء هذه المهمة الوطنية».