حطت الفقاعة المالية العالمية رحالها في إمارة دبي، وخلفت أضراراً فادحة. فعلى خلاف دول الجوار، الإمارة لا تنعم باحتياطات نفطية. وسعى قادة دبي الى تحويل مدينتهم الضائعة في الصحراء الواسعة ساحة لهو فاخرة تستقطب أثرياء العالم. وشارك مستثمرون غربيون قادة دبي الحماسة، وموّلوا خططهم وأمانيهم. ولكن «دبي العالمية»، وهي شركة عامة تشيّد مباني كبيرة وفاخرة، أعلنت، أخيراً، تأجيل تسديد قسم من ديونها المستحقة في منتصف كانون الأول (ديسمبر). ويبدو أن الأسواق المالية العالمية تسرعت في اعلان انقضاء أسوأ فصول أزمة القروض. ففي الأشهر الثمانية الأخيرة، انبعثت حركة النمو في أسواق الأسهم، غداة اطمئنان المستثمرين الى أن العالم لن يشهد أزمة كبرى بعد افلاس مصرف «ليمان براذرز»، في تشرين الأول (أكتوبر) 2008، وتعثر النظام المالي العالمي. ولكن محنة دبي تؤذن باحتمال كر فصول ازمة الاقتصاد العالمي، وانفجار فقاعات أخرى. وأغلب الظن أن يواجه عدد من الدول، ومنها اليونان وأوكرانيا وارلندا، أزمات ديون كبيرة، في الأشهر المقبلة. وقد تضطر الدول هذه الى تحمل أعباء أسوأ انكماش مالي في العقود الثلاثة الأخيرة، وأن تسدد تكاليف انفجار فقاعة القروض والتسليف. وبادر صندوق النقد الدولي الى نجدة عدد من الدول، على غرار ايسلندا والمجر وباكستان. ويبعث اعلان «دبي العالمية» المخاوف من وقوع ضحايا جدد في شباك الأزمة. والحق أن الانكماش الاقتصادي لم يطوَ ولم ينته. ويعود الفضل في خروج بعض الاقتصادات الكبرى من الانكماش الى تدخل الحكومات ومدها المؤسسات المالية بمبالغ مالية كبيرة. ولكن مآل الأزمة لا يزال غامضاً. ففي العام المقبل، قد تتوقف الحكومات، عن التدخل، وقد تعدل المصارف المركزية عن منح المؤسسات المصرفية قروضاً ميسرة، وترفع معدلات الفائدة. إذا انهارت «دبي العالمية»، أصيب النظام المالي العالمي في الصميم. فعدد لا يستهان به من المصارف الدولية سلف دبي وشركاتها قروضاً قيمتها بلايين الدولارات لتمويل تشييد المباني الزجاجية الشاهقة، وإنشاء حلبة تزلج كبيرة في قلب الصحراء. وقد لا تفلح خطط الإنقاذ المالي الحكومية. وهذه بذلت بلايين الدولارات في انتشال المصارف التي شارفت على الانهيار من براثن الأزمة ودوامتها. ونبّه، أخيراً، البندسبنك، المصرف الألماني المركزي، الى أن عدداً من المصارف الألمانية قد يخسر قروضاً لم تُسدد بلغت قيمتها 90 بليون يورو. وليست قروض «دبي العالمية» قروضاً عادية. فهي تراعي الشريعة الإسلامية. وهي صكوك عالية المخاطر. فالمُسلف لا يتقاضى فوائد ثابتة، بل نسبة من الأرباح. ومصير الدائن مبهم، في حال افلاس المقترض. ويعقد المستثمرون الآمال على احتمال مبادرة امارة ابي ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، الى نجدة جارتها دبي. وناطحات دبي المهجورة، ورافعات البناء المتوقفة عن العمل، هي مرآة انفجار فقاعة العقارات، سواء تبين أن ما يحصل في دبي هو فصل من فصول الزلزال المالي العالمي أو مصاعب مدينة - دولة صغيرة أثرها ضعيف في العالم. وفي الأشهر الأخيرة، انقلبت الأحوال في دبي. وانخفضت اسعار العقارات نحو 50 في المئة. ومن المتوقع أن تواصل الانخفاض. وعاد آلاف العمال الهنود الى بلدهم إثر تفشي البطالة. وتكاد السيارات الفخمة والجديدة المهجورة والمركونة في مرآب المطار، ان تكون جزءاً من الفولكلور المحلي. محرران، عن «غادريان» البريطانية، 26/11/2009، إعداد منال نحاس