لم يكن مدرّس التعبير في الصفوف الأولى يختار موضوعاً جميلاً مثل هذا للامتحان، الكتابة عن يوم ممطر كانت تخصص لها الحصص السائبة قبل الخروج ركضاً من المدرسة. يمكن أن تكتب عن يوم ممطر في عز الصيف و»خشتك ناشفة»، لكن ما كان يمكن بلعه في صفوف التعبير الأولى يقف معترضاً في العين في صفوف العمل مع أمانة تحتم كتابة التعبير المناسب عن الحدث، إذا كنت لا تستطيع وصف الحدث كما هو - لأي سبب كان - اقلها لا تجمّله وتزيّفه، لتنقل واقعاً هو النقيض. نحن هنا لا نتحدث عن كتابة رأي بل عن خبر يصف حدثاً، مسألة الرأي لها قصة أخرى، الحديث عن نقل الصورة كما هي وما سيأتي نموذج لأوجاعنا. من هنا عنون صديقي رسالته ب «ياللهول»! وهو يعلق على خبر بثته وكالة الأنباء السعودية يوم الأربعاء عن أمطار جدة، وأسأل الإخوة في جدة أم الرخا والشدة هل قمتم بتزييف صورة ما حدث؟ بثت «واس» يوم الأربعاء ما كتبه محررها، إذ قال: «شهدت مدينة جدة منذ الصباح الباكر هطول أمطار غزيرة، شملت جميع أحيائها ولا زالت مستمرة، وخرج أهالي وسكان جدة لمشاهدة الأمطار بعد طول انقطاع، واكتظت شوارع وطرقات المدينة بالسيارات، بخاصة أن هطول الأمطار تزامن مع عطلة عيد الأضحى المبارك. ورصد مندوب وكالة الأنباء السعودية فرحة الأسر والأطفال بهطول هذه الأمطار التي لم تعتد عليها المدينة منذ سنوات طويلة، وتوجه بعض أهالي سكان جدة إلى شواطئ الكورنيش للاستمتاع بهذه الأجواء المناخية الجميلة والرائعة، والفرحة تملأ النفوس بأن انعم الله عليهم بهذه النعمة المباركة. وفي الوقت الذي أوشكت شبكات تصريف الأمطار في مدينة جدة على الانتهاء إلا أن بعض شوارع المدينة تجمعت فيها الأمطار وسببت بعض الاختناقات المرورية، ولم يتذمر الأهالي لمعرفتهم أن شبكة التصريف لم تنتهِ بعد. وقامت القطاعات ذات العلاقة بتصريف تجمعات مياه الأمطار بالعمل من اجل تسهيل الحركة المرورية». (انتهى). إذاً أهالي جدة كانوا فرحين، مع أسرهم وأطفالهم على الكورنيش يستمتعون بهذه الأجواء الجميلة والرائعة وفرحتهم تملأ النفو...ش (الشين من عندي)، ونحن نتألم على صور شاهدناها ومكالمات سمعناها. أمانة النقل مثل أمانة الوصف، وإذا كان هذا خبراً مبثوثاً عن أحداث شاهدها العالم على الفضائيات، ومات جراءها أناس وأُخرج عشرات غيرهم من منازلهم الآيلة للسقوط، ينقل بهذه الصورة الصادمة صدمة ما حدث في جدة، فكيف بتقارير مفصلية في دهاليز بيروقراطية تتناول واقعاً أو مستقبلاً ولا يطلع عليها إلا قلة محدودة عن أوضاع مشاريع وخطط، كيف هي «تزبرق» وتلون، وإلى أي درجة أصحابها مستبشرون فرحون مع أطفالهم.. لا يتذمرون! www.asuwayed.com