تتجه الأنظار نحو سويسرا حيث تحتضن جولة إضافية من المفاوضات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوإيران في الأيام القليلة التي تسبق الموعد المحدد في نهاية الشهر لإعلان الاتفاق السياسي أو الإقرار بوجود صعوبات كثيرة قد تعيق تحقيق الاتفاق الشامل في نهاية حزيران (يونيو) المقبل. ويرجح كثيرون إمكانية توصل الجانبين الأميركي والإيراني، في حضور الوزيرين جون كيري ومحمد جواد ظريف، إلى صيغة وسطية في منتصف الأسبوع في لوزان يعرضانها على مجموعة 5+1 الخميس أو الجمعة. ومرد تفاؤل البعض بحصول اختراق في لوزان هو التّقدم الملموس الذي أحرزته المحادثات المكثّفة في الأسابيع الأخيرة، ويشارك فيها منذ الشهر الماضي كل من وزير الطاقة الأميركي أرنيست مونيز ورئيس منظمة الطاقة النووية علي أكبر صالحي، ويعتبر الأخير المسؤول الأكبر بعد الرئيس حسن روحاني، في ما يتعلق بالقرار في الشأن النووي، والاثنان مرتبطان بكلمة الفصل التي يمتلكها المرشد الأعلى علي خامنئي. ويؤكد ممثلو الوفد الإيراني من ناحية والوفد الأميركي والأوروبي من ناحية أخرى بأن «المفاوضات أنجزت تقدماً ملموساً في الجولات الأخيرة، لكن لا تزال هناك فجوات قائمة» يقتضي ردمها قرارات سياسية حاسمة من الجانبين الإيراني والأميركي. وإذا حصل الاختراق السياسي في جولة لوزان نهاية هذا الأسبوع فهو سيكون حافزاً مهماً لدفع المحادثات التقنية حول التعقيدات الكثيرة التي تلف قضايا الاتفاق الشامل. وسيكون الاتفاق السياسي، إذا تحقق، رداً قوياً على خصوم المفاوضات النووية في الكونغرس الأميركي وحزب الليكود واليمين الإسرائيلي وبعض أوساط المحافظين في منطقة الشرق الأوسط. وقال مصدر رفيع المستوى في بروكسيل إن الكتاب المفتوح الذي بعث به عضو الكونغرس توم كوتن مدعوماً من 46 من زملائه الجمهوريين إلى القيادة الإيرانية يهددها فيه بأن الجمهوريين الذين يحتلون غالبية المقاعد في الكونغرس لن يصادقوا على الاتفاق المزمع. وشكّل الكتاب المفتوح دافعاً للوفد التفاوضي الإيراني من أجل المطالبة برفع العقوبات فور التوصل إلى الاتفاق الشامل في نهاية حزيران المقبل، لأن بلاده لا تثق في مستقبل الاتفاق وفق ما ورد في كتاب النواب الجمهوريين، وعلّق ديبلوماسي كبير في بروكسيل: «لو كنت مكان الإيرانيين لفعلت الشيء نفسه». وقد يثق الإيرانيون في وعود الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المالية والاقتصادية بعد الاتفاق والتثبّت من خلال آليات التفتيش الدولية بتنفيذ إيران التزاماتها. لكن طهران ستظل تحذر من عودة الجمهوريين إلى الإدارة الأميركية ومن احتمال أن تكون مصالحهم الاقتصادية والمالية بعد الاتفاق المزمع، إذا تحقق، رهينة المعارك القانونية بين الكونغرس والإدارة الأميركية. وإذا لم يحصل الاتفاق السياسي في نهاية الأسبوع المقبل فلن تكون نهاية المشوار التفاوضي، لأن الموعد الرسمي الذي حددته مجموعة 5+1 لانتهاء المفاوضات ليس 31 آذار (مارس) وإنما 31 حزيران 2015. لكن الظروف السياسية التي تواجهها الإدارة الأميركية من ناحية وحكومة الرئيس روحاني من ناحية أخرى تجعل من موعد نهاية الشهر الجاري استحقاقاً سياسياً. وإذا لم يتمكن الطرفان من إحداث الثغرة السياسية في نهاية الأسبوع فقد يشهد المسار التفاوضي انتكاسة وليس نهايته، خصوصاً أن ملامح خطة العمل المشتركة تتضح شيئاً فشيئاً. ولأن القضايا مترابطة بعضها ببعض فإن أياً من القضايا لا يحل ما لم تحل القضايا كافة. وتشمل القضايا الخلافية حجم قدرات التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي ومستقبل برامج الأبحاث النووية وطبيعة مفاعل فوردو ومفاعل أراك ومخزون إيران من اليورانيوم المخصّب وجدولة رفع العقوبات الدولية، بما فيها تلك المتصلة بما يسمى «البعد العسكري المحتمل» في البرنامج النووي الإيراني. وبينما تخطط إيران لامتلاك عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في المستقبل لتشغيل أكثر من عشر مفاعلات تنوي بناءها، فإن المجموعة الدولية معنيّة الآن بإقناعها بخفض بنية التخصيب التحتية من 10 آلاف قيد التشغيل إلى ما بين 4 و6 آلاف، وعدم تشغيل الأجهزة الحديثة جداً، وتحويل مفاعل فوردو من نشاطات التخصيب إلى مفاعل بحثي فقط، وتعديل تصاميم مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة لإنتاج البلتونيوم ذي الطبيعة العسكرية إلى العمل بالمياه الخفيفة، وخفض قدرته الإنتاجية من الوقود، وتصدير جزء هام من مخزون اليورانيوم المخصّب بمستوى 5 في المئة، حيث قدّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية حجمه بكمية 7952،9 كلغ في تقريرها الشهر الماضي. وقد تكون روسيا وجهة استيعاب جزء من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب. وتعترف مجموعة 5 زائد واحد بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها لأغراض سلمية. لكن المشكلة تكمن في الشكوك التي يثيرها البرنامج النووي الإيراني منذ الكشف عن نشاطات طهران السرية في 2002. لذلك فإن الاقتراح المتداول يقتضي موافقة المجموعة الدولية على أن تزيد إيران في أعداد أجهزة الطرد المركزي بعد عقد من توقيع الاتفاق المنشود. وتهدف الولاياتالمتحدة من هذا الاتفاق إلى ضمان توفر آليات المراقبة التي ستمكنها من رصد أي تغيير في نشاطات إيران النووية، واستباق كل مفاجأة نووية قد تُقدم إيران على إحداثها في المستقبل. وتشمل المفاوضات وضع آليات تضمن رصد كل تغيُّر في نشاطات إيران النووية قبل سنة من حدوث المفاجأة النووية (breakout). وكانت إيران طلبت تقييد مرحلة الاتفاق سنة واحدة بينما اقترحت الولاياتالمتحدة 15 سنة. والأغلب أن تنفيذ الاتفاق المزمع سيدوم عقداً يظل فيه البرنامج النووي الإيراني مجمداً تقريباً في مستواه الحالي، على أن يخضع للرقابة الدولية المنتظمة. وقد أنجزت المفاوضات تقدماً في وضع آليات ضمان شفافية المرافق والمنشآت النووية ونشاطاتها في إيران. رفع العقوبات تبقى مشكلة رفع العقوبات المالية والنفطية والتكنولوجية التي تمثّل نقطة خلاف رئيسية، فطهران تعاني منذ عامين من نقص العائدات بعد حظر كل من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة التعاون مع إيران في مجال النفط وصناعة الطاقة وكذلك في القطاع المصرفي. وتتضاعف متاعب إيران في المرحلة الراهنة جراء تراجع أسعار النفط، لذلك تطالب طهران برفع العقوبات دفعة واحدة بعد بدء تنفيذ الاتفاق وإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية كونها الطرف المكلف عمليات التفتيش والمراقبة. لكن طهران لن تحصل على تنازل رفع العقوبات دفعة واحدة. وتعتقد مصادر وثيقة الصلة بالمفاوضات أن العقوبات النفطية والمالية كانت حافزاً لإقناع إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وخصوصاً قبولها الحديث في آليات تقييد نشاطاتها النووية وفتح الباب أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفتيش المرافق والمنشآت النووية. وهو ما قامت إيران بتنفيذه منذ كانون الثاني (يناير) 2014 بمقتضى الاتفاق الانتقالي. وتجدر الإشارة إلى أن القيود التي التزمت إيران بتنفيذها مثل وقف نشاطات التخصيب عالي المستوى، هي إجراءات طوعية من جانب طهران. وتقترح الولاياتالمتحدة، بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، رفع العقوبات النفطية والمالية في شكل تدريجي لأنها تظل سيفاً مسلولاً على عنق إيران. وعلى افتراض تراجع الإدارة الإيرانية عن تنفيذ الاتفاق فإنها ستجد نفسها من جديد رهينة العزلة والعقوبات. ولا يمكن إيران المراهنة على اختلاف الرأي بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في شأن جدول رفع العقوبات، فالدول الأوروبية سترفع العقوبات عندما تتأكد من أن مؤسساتها لن تقع تحت طائلة قانون العقوبات في السوق الأميركية. وقد يسهل رفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي دفعة واحدة لأن القرار يعود إلى المجلس الوزاري والبرلمان الأوروبي. لكن الوضع يختلف في الكونغرس. وتقول مصادر المفاوضات أن الإدارة الأميركية ستضطر للعودة إلى الكونغرس في كل مرة تريد رفع جزء من العقوبات المفروضة على طهران. وهكذا قد تجد الأخيرة نفسها رهينة جدل لا ينتهي بين الجمهوريين وبين الديموقراطيين أو بين الرئيس ووزارة الخارجية من ناحية والكونغرس من ناحية أخرى. ويعي الإيرانيون العواقب التي قد تترتب عن قبولهم جدولة العقوبات. لذلك فهم يطالبون برفعها دفعة واحدة، وأقله أن يتم رفع الجزء الرئيسي منها في غضون الفترة المتبقية من حكم الرئيس أوباما. هذا إذا حصل الاتفاق الشامل في موعده المحدد مطلع تموز 2015.