ألو، صباح الخير، أستاذ صلاح تمام رئيس تحرير مجلة الأدب الرفيع؟ - صباح النور، أيوه أنا يا فندم، حضرتك مين؟ - سيادتك لا تعرفني، اسمي رانيا فتحي، لي محاولات في كتابة القصة القصيرة، كل أحلامي أن يعجبك ما أكتبه لأستطيع النشر في مجلتكم. – جميل، لكن من أين حصلتِ على رقم موبايلي. - من صديقك وصديق والدي الأستاذ إبراهيم شريف. هل أطمع أستاذي في أن نتشرف أنا وأستاذ إبراهيم بزيارة مكتبك لكي تنال قصصي قراءة مبدع كبير؟ - العفو، أخجلتم تواضعنا، كم عمرك يا رانيا؟ - 36 سنة، ولكن لماذا السؤال؟ - لستِ إذاً طفلة صغيرة تحتاج وصاية من إبراهيم أو غيره، ومكتبي دائماً مفتوح للمواهب الحقيقية. تفضلي الثلاثاء بعد الغد الساعة الثانية بعد الظهر. تغلق الخط غير مصدقة نفسها. هل حظيت للتو بموعد لمقابلة الأستاذ الكبير صلاح تمام بشحمه ولحمه؟! روايات صلاح وأعماله القصصية كانت دوماً تصيبها بحالة من التفكير والتساؤل. فكيف يمكن لكاتب أن يمس أكثر الأمور واقعية وحساسية بهذه العذوبة والرومانسية؟ تدخل حجرتها وهي تدور حول نفسها في خطوات راقصة، وتُقبِّل صورتها في المرآة. أخيراً سيتحقق حلمها بالنشر في مجلة كبيرة. هي تكتب وتقرأ ما يكتبه شباب الكتاب، وتأسف كثيراً حين تجد أن معظم ما تقرأه لا يستحق النشر. من دون غرور هي تجد نفسها موهوبة ولكنها لم تجد الفرصة المناسبة بعد. حتماً سيرى صلاح موهبتها ويفتح لها باب الأمل. مكثت يومها التالي في التفكير في ما سترتديه، وفي السيناريوات المحتملة للمقابلة، وفي أي القصص ستبدأ بقراءتها عليه. يوم الثلاثاء صباحاً أخبرت مديرها بوجوب خروجها من العمل مبكرة. لم تعبأ كثيراً بابتسامة الموافقة غير المرحبة التي رسمها فوق وجهه. في التاكسي، كانت تحاول تنظيم تنفسها للتغلب على توترها. من مقعد انتظارها في غرفة سكرتارية الأستاذ صلاح استطاعت رؤية النيل يجري وديعاَ. قالت لنفسها إن مجرد وجود صلاح في هذه اللوحة الإبداعية يومياً لا بد يساهم في دفق إبداعه. كل مرة تخرج من تأملاتها تجد السكرتيرة تتفحصها بنظراتها. تكره غيرة النساء غير المبررة. هي تعرف أنها جميلة ولكنها لم تكن يوماً سطحية التفكير. تملك أيضاً رقة الحس وجمال الموهبة. يرن التليفون، تسمع السكرتيرة ترد قائلة: حاضر حالاً. تغلق السماعة وتشير لها بيدها لتدخل. المكتب واسع جداً، فخم الأثاث، يشكل منظر النيل لوحة فنية تضفي مزيداً من البذخ على المكان. تتسع ابتسامة صلاح، يخرج من وراء مكتبه ليستقبلها، يمد يده ليصافحها، يظل ممسكاً بيدها حتى يجلسها أمام مكتبه. صلاح تمَّام يبدو أكبر وأكثر امتلاء مما تخيلته. يبادرها: - لم تخبريني أنكِ جميلة هكذا. إبراهيم شريف له كل الحق في أن يفرض وصايته عليكِ. لو كنت مكانه ما تركتك تأتين وحدكِ. تبتسم بينما يحمر وجهها قائلة: أشكرك على المجاملة. أتمنى من قلبي أن تعجبك قصصي أكثر من شكلي. أكتب منذ سنوات قليلة لانشغالي بعملي وببيتي وبأولادي. - ماذا؟ أنت أُم؟ للأمانة تبدين أصغر كثيراً من السادسة والثلاثين. تستكمل متجاوزة ملاحظته: - أعتقد أن لديّ رصيداً كافياً من القصص ليشكل أول مجموعة قصصية تنشر لي. يعدل صلاح وضع نظارته فوق منخاره محاولاً التزام المهنية بينما يقول: - إذاً اقرئي لي أكثر القصص قرباً لقلبك. تنهمك هي في القراءة بينما يذرع هو الغرفة جيئة وذهاباً. تنهي القراءة وتثبت عينيها على وجهه محاولة قراءة انطباعه، بينما يقترب بجسمه من كرسيها. تعتدل في جلستها بعد أن أحست بأنفاسه تلفح وجهها وهو يقول: - أنتِ فعلاً موهوبة يا رانيا لا أنكر. ولكن ما زالت قصصك تحتاج أن نشتغل عليها. أسلوبك مميز لكنه يحتاج إلى بعض الصنفرة. حدجته بنظرة استفهام فاستكمل قائلاً:- سنعقد أنا وأنتِ ورشة عمل ثنائية. نعمل على قصة في كل جلسة حتى ننهي القصص كلها لتكون جاهزة للنشر. عادة لا أفعل هذا مع كل قاصة تعرض عملها عليَّ. ثم نظر إليها نظرة فهمتها تماماً ووضع يدها بين كفيه قائلاً: - فقط الموهوبات الجميلات ممن لديهن غمازاتك. تسحب رانيا يدها من يده وتتشاغل بلملمة قصصها محاولة انتقاء رد: - سأتدبر موعداً قريباً وأخبرك بالموبايل. تنهض واقفة بينما يلف صلاح ذراعه حول خصرها موصلاً إياها الى الباب.