إنها خطوات نحو محرّك بقوة ألف حصان سيسود عالم سباقات فورمولا واحد بدءاً من موسم 2017. وبطولة هذا العام المتضمنة 21 جائزة كُبرى تدشّن اليوم في ملبورن، وتختتم بجائزة أبوظبي على حلبة «ياس مارينا» في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. بين التاريخين يعيش عشاق «هدير المحرّكات» أجواء مفعمة بالقوة وإغراءات المال وأضواء الشهرة وشدّ الأعصاب. سيارات ثورية هي صواريخ على عجلات، وترجمت تكنولوجيا المحرّكات وتقنياتها بدءاً من 1950 هذه الإثارة المتناهية على مرّ العقود. سيارات سباقات فورمولا واحد ليست بسيارات عادية على الإطلاق، إذ لو ركّب المهندسون أجنحة لها لكانت ستؤدي دور الطائرة لشدة القوة التي تستمدّها من محرّكات رهيبة، زاد تطوّرها تباعاً بفعل المنافسة القوية بين المهندسين على إنتاج السيارة الأفضل. ويُعدّ كل من وحدة الطاقة ونظام نقل الحركة في سيارات فورمولا واحد الحديثة من أكثر أنواع الآلات تطوّراً، كما لا تزال المنافسة محتدمة بين الفرق المشاركة في هذه الفئة لإنتاج المحرّك الأقوى. ويُنسب تقليدياً الفضل بتطوير محرّكات السباقات إلى مهندس السيارات فرديناند بورشه، الذي أشار إلى أن السيارة الأفضل، هي التي تعبر خط النهاية في المركز الأول ومن ثم تنهار. وعلى رغم أن هذا الأمر لم يعد صحيحاً، إذ تفرض القوانين التقنية الجديدة استخدام المحرّكات في سباقات عدة، لطالما كان تصميم محرّكات «الفئة الأولى» الحديثة عبارة عن أداء متوازن يجمع بين الطاقة والفعالية العالية. كما أن الطاقة التي ينتجها محرّك فورمولا واحد مثيرة للدهشة من حيث التطوّر الذي شهدته على مرّ الأعوام. وفي 1950 كانت قوة السيارة مُحددة ب100 حصان لكل ليتر واحد من سعة محرّكها، أي ما يعادل الطاقة التي تنتجها أي سيارة عصرية مثل تلك التي تسير على الطرق الآن. وزادت طاقة المحرّك تدريجاً إلى أن وصلنا إلى «حقبة محركات التوربو» بسعة 1.5 ليتر بين عامي 1966 و1988، إذ أنتج بعضها طاقة تفوق ال750 حصاناً لكل ليتر، إلا أن الطاقة المستخرجة من المحرّك تراجعت عندما عادت «المعادلة» عام 1989 إلى استخدام محرّكات تعمل باحتراق طبيعي يمكن أن تصل إلى 12 أسطوانة «ف 12» بين عامي 1989 و1999، إذ عاودت الطاقة ارتفاعها على نحو تدريجي. وفي 2000 اعتُمدت محرّكات من 10 أسطوانات «ف 10»، وكادت «معركة الطاقة» تصل إلى حاجز الألف حصان، إذ تمكنت فرق في آخر موسم لهذه المحركات عام 2005 من إنتاج طاقة تصل إلى 300 حصان لكل ليتر، وهو العام الأخير الذي استُخدمت فيه محرّكات سعة 3 ليترات. وبين العامين 2006 و2013 استخدمت الفرق محرّكات من 8 أسطوانات على شكل حرف V سعة 2.4 ليتر، بحدّ أقصى لدوران المحرّك 18 ألف دورة في الدقيقة، وبالتالي انخفضت طاقة المحرّك نحو 20 في المئة. وبدءاً من الموسم الماضي، انتقلت فرق فورمولا واحد لاستخدام محرّكات من 6 أسطوانات «ف 6» سعة 1.6 ليتر، تُنتج طاقة 600 حصان تقريباً، على أن تطوّر بوتيرة تنازلية حتى 2020. وتُمثّل طاقة محرّك الاحتراق جزءاً من وحدة الطاقة في سيارة فورمولا واحد، إذ تستفيد السيارة من طاقة 160 حصاناً إضافية تقريباً من نظام استعادة الطاقة «إي آر أس»، الذي يتألّف من وحدتي محرّك توليد ذكيتين «أم جي يو» تحوّل الأولى الطاقة الميكانيكية (الناتجة من طاقة الكبح)، فيما تحوّل الثانية الطاقة الحرارية (الناتجة عن حرارة غازات العادم) إلى طاقة كهربائية لتستفيد منها السيارة عند التسارع وفي عمليات التجاوز. ويُعدّ المحرّك الجزء الأكثر إجهاداً في السيارة، إذ يُعلّب مع نظامي نقل السرعة والتعليق في «حوض» من الألياف الكربونية. لذا يجب أن تكون مكوّناته بغاية الصلابة وبأخف وزن ممكن، وبأضيق مساحة للمساعدة على تصميم مؤخرة السيارة. أما علب التروس في سيارات فورمولا واحد العصرية، فتطوّرت بدورها، وأصبح في الإمكان نقل السرعات في أجزاء مئوية من الثانية من خلال ناقل يدوي مثبّت خلف عجلة القيادة. وباستخدام هذه الأنظمة لنقل السرعات الكهربائية، وعلى رغم التكنولوجيا المعقّدة المستخدمة، تمنع القوانين التقنية أنظمة نقل السرعة الآلية بالكامل، والأنظمة المساعدة المتصلة بعلبة التروس، مثل نظام التحكّم في الانطلاق للحفاظ على كلفة السيارة وتطويرها مُنخفضة، ولإبراز مهارات السائق. وتتألف معظم أنظمة نقل الحركة من 8 نسب سرعة أمامية، وآخر إجباري إلى الخلف، إذ تختار نسب السرعة قبل انطلاق الموسم، على أن يثبّت نظام نقل الحركة خلف المحرك مباشرةً. ولمراقبة الكلفة الباهظة لهذه المحرّكات العالية التقنية، أصدر الاتحاد الدولي للسيارات (فيا) أنظمة جديدة 2005، تُلزم الفرق استخدام المحرك ذاته في سباقات عدة. وكان الإجراء عينه أعتمد في 2008 لعلب التروس (نقل الحركة). وبدءاً من الموسم الماضي أصبح على كل سيارة استخدام علبة تروس واحدة في 6 سباقات متتالية. كما جزّئت وحدة الطاقة إلى 6 مكوّنات قانونية، وهي محرّك الاحتراق الداخلي التقليدي، الذي يعمل بالوقود، ووحدة استعادة الطاقة الحركية «أم جي يو – كاي»، ووحدة استعادة الطاقة الحرارية «أم جي يو – آيتش»، ونظام تخزين الطاقة «إي أس»، ونظام شاحن الهواء «توربو» وإلكترونيات التحكّم «سي إي»، على أن يكون الحد الأدنى لوزن وحدة الطاقة 145 كيلوغرام. وإذا احتاج السائق إلى استبدال أكثر من خمسة مكوّنات في وحدة الطاقة خلال الموسم، فسيتعرض إلى عُقوبة التراجع على خط الانطلاق بين 5 و10 مراكز. وإذا بدّل وحدة الطاقة كلياً ينطلق من خط الصيانة. عموماً، تتألف وحدة الطاقة من 66 نموذجاً، لكن قبيل التمهيد لانطلاق الموسم الحالي، جُمّد تطوير 5 من هذه المكوّنات كلياً. ولا يستطيع المصنّع تغييرها كلها، بل 32 منها فقط، ما يعادل نحو 48 في المئة من وحدة الطاقة لهذا الموسم. لكن «فيا» واجه مشكلة تتمثل في عدم تحديد تاريخ لتجميد تطوير هذه المكوّنات المعدّلة العام الماضي. وكان هناك وجهة نظر تتحدّث عن تجميد التطوير عند بلوغ السباق الأول، لكن فريقي فيراري ورينو نجحا في إثبات وجود هذه الثغرة في القوانين، ما يعني عدم وجود مهلة محددة لتقديم النموذج النهائي في موسم 2015. ويدرس القيّمون على البطولة فكرة إدخال تعديلات على المحرّكات لزيادة قوتها لتصل إلى ألف حصان بدءاً من موسم 2017، من خلال زيادة معدّل تدفّق الوقود ورفع الحد الأقصى المسموح به من عدد دورات المحرّك في الدقيقة وإجراء تعديلات طفيفة في تصميم وحدة الطاقة، فضلاً عن زيادة كمية الوقود التي يمكن استخدامها لتتعدى 100 كيلوغرام في السباق الواحد.