طالب اقتصاديون بإعادة توزيع العمالة الأجنبية في السعودية، وترشيد الاستقدام والتأكد من نظامية إقاماتها، بهدف ردم الفجوة بين نقص العمالة في بعض المهن، في مقابل ارتفاع معدلات العمالة المخالفة. وحذروا من أن زيادة عدد العمالة في السعودية من دون ترتيب سوق العمالة لها العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد السعودي، لاسيما ما يخص ارتفاع قيمة التحويلات النقدية للعمالة بواقع 7 بلايين ريال سنوياً. وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن تحويلات العمالة الأجنبية في السعودية وصلت إلى 110 بلايين ريال سنوياً. ويعمل في السعودية 11 مليون أجنبي. وقال الاقتصاديون ل«الحياة» إن زيادة عدد العمالة الأجنبية وإصدار تأشيرات ل2.2 مليون عامل جديد سيرفع التحويلات النقدية بنحو 7 بلايين ريال سنوياً، إضافة إلى زيادة الطلب على المنتجات والسلع والسكن، ما يرفع معدلات التضخم. وكانت وزارة العمل كشفت في وقت سابق أن 2.2 مليون عامل بنغلاديشي تقدموا بطلبات للعمل في السعودية، وقال المتحدث باسم الوزارة تيسير المفرج ل«الحياة»: «إن العدد في ارتفاع، خصوصاً بعد أن تم توقيع اتفاق الاستقدام بين السعودية وبنغلاديش، لاستقدام العمالة البغلاديشية عموماً، والمنزلية خصوصاً». وأوضح الاقتصادي الدكتور فضل البوعنين ل«الحياة»: «نحن في أمس الحاجة إلى خفض وتيرة إصدار تأشيرات العمالة في الوقت الراهن، لحين إعادة توزيع العمالة الأجنبية لتكون بحسب الحاجة إليها في كل قطاع»، منوهاً إلى أن سوق العمل السعودية تعاني من فائض في العمالة المخالفة التي تعمل بطريقتها الخاصة داخل السعودية. وزاد: «لدينا العديد من المشكلات داخل السوق لعدم ضبط عملية استخراج التأشيرات، فهناك مشكلة التستر التجاري أو العمل لدى غير الكفلاء وغيرها من الإشكالات، الأمر الذي يستدعي العمل إلى إعادة ترتيب هذه السوق من خلال إعداد قوائم للعمالة الأجنبية لدينا وتوزيعها على سوق العمل، إذ نعمل على سد الفجوة بين الطلب على العمالة في بعض المجالات، خصوصاً في ما يتعلق بقطاع الإنشاءات». ورأى أن زيادة عدد العمالة الأجنبية في السوق السعودية من دون إعادة هيكلتها سيترتب عليه الكثير من المشكلات، أولها «ارتفاع معدلات التدفقات النقدية للخارج، والتي من المتوقع أن ترتفع على ما هي عليه الآن بواقع 7 بلايين ريال سنوياً». واعتبر أن السوق السعودية في حاجة إلى الاستقدام في بعض الوظائف والمهن، ولكن يجب أن يكون الاستقدام بشكل مدروس ولا يترتب عليه تفاقم لمشكلات سوق العمل، ومنها البطالة على وجه الخصوص. وأكّد البوعنين أهمية مراقبة الأسواق والتعاملات التجارية للكشف عن حالات التستر التجاري، لاسيما أن لدينا عمالة أجنبية تعمل بطريقة التستر التجاري، وتستحوذ على الفرص الاستثمارية المتوسطة والصغيرة داخل السعودية، مشيراً إلى أن زيادة عدد العمالة الأجنبية في السعودية له العديد من الآثار الاجتماعية والأمنية السلبية. واتفق معه أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور فاروق الخطيب، بقوله: «لا بد من معرفة مدى الحاجة إلى العمالة الأجنبية من خلال حصر المهن المطلوبة في سوق العمل، التي لا يمكن للسعوديين العمل بها، إذ يكون الاستقدام إضافة إيجابية ويسهم في تطورها». ونبّه إلى أن الاستقدام العشوائي له العديد من الآثار السلبية من حيث ارتفاع نسب البطالة وزيادة قيم التحويلات النقدية للخارج وتضخم الأسعار عموماً بسبب زيادة العرض. وزاد: «كما أن تحديد مدى الحاجة إلى العمالة الوافدة مهم من الناحية الاجتماعية والأمنية، إذ إن ارتفاع عدد الأجانب يسهم في تغيير الثقافات المحلية والتركيبة الاجتماعية مع مرور الوقت»، مؤكداً أهمية الترشيد في منح التأشيرات، والتأكد من نوعية العمالة القادمة للسعودية من حيث الكفاءة والمهارة المطلوبة للمهن المستقدمة لها». وأوضح أن «السوق السعودية تعاني من وجود العمالة الرديئة، ولا بد من وجود ضوابط ومعايير للاستقدام، وأن تكون بحسب الحاجة إليها في بعض المجالات التي تتطلب وجودها». بدوره، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور أسامة فيلالي إلى أن استقدام العمالة التي تقدم خدمة وجودها يعمل على زيادة الناتج المحلي، وهو شيء إيجابي للدولة التي توجد بها. غير أن فيلالي أوضح أن «ارتفاع عدد العمالة الأجنبية في السعودية، التي أصحبت اليوم تشكل 30 في المئة من إجمالي سكان السعودية يعد مؤشراً خطراً على المدى البعيد، وله العديد من الآثار السلبية سواء أكان من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أم الأمنية». وأضاف أن ارتفاع العمالة الأجنبية سيعمل على زيادة معدلات التحويلات النقدية للخارج، إضافة إلى التأثير في التركيبة الاجتماعية للمجتمع السعودي. وتابع: «مع الإشكالات التي تحدث في الاستقدام من دول كنا نعتمد عليها في السابق يمكن إحلالها بدول أخرى تعمل المهن ذاتها، وتكون التأشيرات الصادرة للدول الجديدة بدلاً من الدول التي توقف الاستقدام منها».