توشك العاصمة السودانية أن تتحول إلى مدينة بلا سكان في عيد الأضحى، اذ تتوجّه غالبية هؤلاء إلى مدنها وقراها في الاقاليم لتمضية ايام «العيد الكبير» مع عائلاتهم الكبيرة، تاركة «كرش الفيل» كما يسميها بعضهم، خالية إلا من بعض سكانها الأصليين! وكالعادة احتشدت الطرق البرية في الايام الماضية، بمئات السيارات الخاصة والعامة المتجهة إلى كسلا في الشرق، والأُبيّض في الغرب، و «واد مدني» في الوسط، وسواها من حواضر الاقاليم. واضطرت شرطة المرور إلى تسييرها بنظام «التفويج»، تفادياً لوقوع الحوداث التي طالما قلبت افراح البعض إلى أتراح. ليست الطرقات البرية وحدها المحتشدة، فالناظر الى صالة الوصول في مطار الخرطوم، يلاحظ الحركة الكثيفة للعائدين من دول الاغتراب في الخليج وأوروبا. فعيد الأضحى هو موسم الأعراس لكثير من الأسر السودانية وخصوصاً لهؤلاء العائدين! وعلى رغم تعدّد ثقافات وتقاليد السودانيين، إلا ان القبائل السودانية المسلمة تتوحد في طريقة احتفالها بعيد الأضحى. فبعد صلاة العيد الصباحية التي تقام في ساحة كبيرة مكشوفة في سائر المدن والقرى، يتوجّه السودانيون إلى الأحياء والحارات لتبادل التهاني والتمنيات. يتحرك الجميع ويطوفون في جماعات على بيوت الجيران قبل بيوتهم. وللعيد أزياؤه وطقوسه أيضاً، إذ يرتدي الرجال الزي الشعبي المكون من الجلابية البيضاء «الجلباب»، والعمامة، والشال الذي يوضع على الكتف. اما الحذاء فهو «المركوب» ويصنع من جلد النمر أو الأصلة، أو البقر، ويختلف سعره باختلاف جلده! بعد التهاني، تصل الظهيرة حيث تكون البطون تنادي أصحابها من الجوع. فتكون الوجبات الخاصة بالعيد في انتظار العائلة. أول الأطباق «العصيدة» السهلة الإعداد التي يتناولها أعضاء العائلة، ريثما ينهي رب البيت سلخ الأضحية. وتتكون «العصيدة» من عجينة الدقيق و «الويكة» وهي البامية المجففة المطحونة مع بعض اللحم المفروم. وسرعان ما تحضر «الشية» وهي اللحمة المشوية في الموقد البلدي، وتُسمّى «السلات» حين تُشوى على الحجر (وهي مشهورة ومتداولة في شرق السودان). ومع «الشية» تقدم «المرارة» وهو طبق مكون من احشاء «الخروف» الكبد والرئة «الفشفاش» و «الكرشة». تُنظف جيداً وتؤكل نيئة مع «الشطة» أو الحرّ. وهي تتألف من المكونات ذاتها التي تتألف منها «الكمونية» الأكلة الأكثر شعبية في البلاد، لكن بعد أن تطهى. ولا تخلو المائدة من طبخات من الخضار والفول المصري والطعمية. وعلى رغم صدور فتاوى بتحريم «الشربوت» في السنوات الأخيرة باعتباره مشروباً مسكراً، إلا ان الأسر تحرص على صنعه. وهو عصير التمر بعد تخميره ليوم أو يومين. ويُعتقد انه يساعد في هضم اللحم، لكنه يحظّر على مرضى السكري. ويُقدّم التمر أيضاً في طبق الحلوى إلى جانب الفول السوداني للأطفال. بطعم هذه المائدة الثرية يقبل أهل السودان على عيد الأضحى هذه السنة، وعيونهم مفتوحة ليس على ارتفاع أسعار الأضحية التي وصل سعرها في العاصمة إلى 250 جنيه (حوالى 100 دولار) كحد أدنى، حيث اضطر بعضهم شراء الأضحية بالتقسيط. لكن عيونهم وقلوبهم ستكون على الانتخابات المزمع إجراؤها في نيسان (ابريل) المقبل، والتي لن تخلو من سيرتها خطب صلاة العيد في سائر المدن. فهي تأتي بعد طول انتظار، أي بعد 20 سنة.