لم يحدث أن حاز خبر توقف برنامج تلفزيوني هذا الكم من الاهتمام في شتى أرجاء المعمورة. 34 مليوناً ومئة ألف نتيجة حصيلة البحث عن «ديفا» التوك شو على الشبكة العنكبوتية. أوبرا وينفري أقامت الدنيا ولم تقعدها حين أعلنت بكثير من الأسى توقف برنامجها البالغ من العمر ربع قرن. من المنطقي أن يلقى خبر توقف البرنامج الأشهر أميركياً الكثير من الاهتمام أميركياً أو أوروبياً أو غربياً، لكن أن يصل الاهتمام إلى شتى أرجاء المعمورة، فهذا هو الغريب. ولولا انغماس بعض الفضائيات - على الأقل المصرية - في إرهاصات «موقعة الخرطوم» الكروية، لكان خبر توقف «ذي أوبرا وينفري شو» قد سيطر على الحصة الأكبر من ساعات «التوك شو»، وعلى رغم ذلك فقد نجح في أن يفرض نفسه على قائمة اهتمامات المواطن العربي العادي الذي ربما لا يعرف اللغة الإنكليزية أصلاً. كمٌ مذهل من التغطيات الإعلامية الخاصة بهذا الحدث الجلل، والكثير من ردود الفعل لمواطنين عاديين يتعجبون من مثل هذا القرار العجيب غير المفهوم بمقاييس الثقافة العربية. فكرة «الاعتزال» أصلاً غير مفهومة عربياً، وتكاد تكون غير واردة. صحيح أن هناك اعتزالات رياضية، لكنها ظاهرة طبيعية. لكن أن يعتزل أحدهم هكذا بكامل إرادته، فلا وألف لا. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأداء لا يرتبط بالاعتزال، يزداد غموض الفكرة عربياً. بمعنى آخر، يأتي قرار وينفري بتوقف برنامجها بمثابة اللغز الكبير. فكيف لشخص ناجح بكل المقاييس الإعلامية والمهنية والمالية أن يقرر هكذا بنفسه التوقف عما يفعل، على رغم أنه في المقابل نجد لدينا أعداداً غفيرة من الفاشلين وأنصاف الموهوبين والفاسدين وغير المحبوبين التصقوا بمقاعدهم التصاقاً لا مجال للحديث عن فك الاشتباك فيه. ليس هذا فقط، بل إن قرارها بتوقف البرنامج في عام 2011 يشكل لغزاً آخر أكثر غموضاً. فكيف لشخص أن يخطط على هذا المدى الطويل؟! جرت العادة عربياً أن تكون القرارات وليدة اللحظة، أما أن يأتي قرار الاعتزال من أعلى – أي سياسياً - أو من أسفل – أي من إدارة القناة في لحظتها -، ولكن أن يأتي ذاتياً وبعد تخطيط، فهذا غير وارد. درس جميل أعطته لنا وينفري من دون أن تدري. لماذا لا نعتزل في الوقت المناسب؟ ولماذا لا ننسحب من دون أن ننتظر ليسحبنا أحد؟ وهل الاعتزال يقلل من شأن صاحبه أم يرفع منه؟ ولأن المقارنة شر لا بد منه في مثل هذه الأحوال، فهناك من الخبثاء من يتساءل عن حجم الاهتمام الشعبي لو كان الاعتزال هذا من نصيب أحد أشهر برامج «التوك شو» العربية. بعضهم يقول إن الخبر كان سيمر مرور الكرام، لأن أياً منهم لا يتمتع بربع حجم شعبية وينفري، وآخرون يؤكدون أن الخبر سيحوز الكثير من الاهتمام، ولكن ليس بسبب توقف برنامج ناجح، وإنما لغرابة قرار الاعتزال، مرة أخرى رب اعتزال خير من ألف إيقاف.