وسط إدانات عربية ودولية متواصلة للانقلاب الحوثي في اليمن، فتحت الدول الخليجية ليل أول من أمس، مسعى جديداً لاحتواء اليمن قبل وصوله إلى الفوضى الكاملة، ودعمت مقترحاً قدمه الرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي في استضافة الرياض مؤتمر للحوار تشارك فيه جميع الأطياف السياسية اليمنية، وأكدت مصادر يمنية ل«الحياة» أمس، أن «مؤتمر الرياض» سيكون «الفرصة الأخيرة بالنسبة للحوثيين للتراجع عن الانقلاب». وأبدى مراقبون تخوفهم من عدم عودة الحوثيين لطاولة الحوار مع الأطياف اليمنية الأخرى، كما أكدوا أن الحوثيين سيتعمدون الغياب في مؤتمر الرياض المرتقب الذي أعلن ليل أول من أمس، وسيعقد تحت مظلة مجلس دول التعاون الخليجي، وأكدوا أن إيران ستكون مؤثرة في مشاركة الحوثيين من عدمها في المؤتمر، مشيرين إلى أن طهران عبرت عن رفضها المطلق للمبادرة الخليجية منذ بدايتها، وهو ما يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية لليمن، كما وجه مسؤولون عرب أمس انتقادات حادة للتدخلات الإيرانية في المنطقة وخصوصاً في صنعاء، وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة إن بلاده ترفض التدخلات الخارجية في اليمن. وقال رئيس مركز الخليج للدراسات عبدالعزيز بن صقر، إن «مؤتمر الرياض للحوار» سيكون الحل الأمثل، الذي يعتمد المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ونتائجه، حتى يخرج اليمن من أزمته. ورأى أن مناشدة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي التي وجهها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وكُشف عنها ليل أول من أمس، دلت على أن «المملكة هي المرجعية الحقيقية لها، وأن الرياض صاحبة القوة والأهمية وهي المعنية الأولى»، مشيراً إلى أن هناك «ارتياحاً شعبياً كبيراً من اليمنيين لكل الأدوار التي قامت بها المملكة أخيراً، وتمثل ذلك في الاستجابة لمطلب الرئيس الشرعي للبلاد من قيام المملكة والدول الخليجية بدور أوسع لإنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن الرياض أرادت أن يكون قرارها «جماعياً مع بقية الدول الخليجية، وليس قراراً فردياً». ورأى ابن صقر أن هناك أربعة خيارات صعبة تنتظر اليمنيين، واصفاً «أحلاها بالمر»، وقال: «هناك أربعة خيارات أمام الحال اليمنية، الأول أن يكون هناك حوار وتنازلات بين الأطراف، وأن يكون حجم الحوثيين في السلطة على قدر مشاركتهم الحقيقية بعد الانسحاب من الأماكن التي احتلوها، وتم الاستيلاء عليها، والخيار الثاني أن تصبح عدن هي العاصمة لليمن وتهمش صنعاء كما كانت عدن من قبل، والخيار الثالث هو الانفصال التدريجي التوافقي من دون حرب، وبطرح الاستفتاء، أما الحل الرابع فهو حرب شاملة شمالية - جنوبية تقرر فيها شكل البلد ويخسر الكل، وتكون هناك حرب بالنيابة وتدخلات خارجية». وأكد أن الحوثيين أثبتوا أنهم «غير ناضجين سياسياً»، لأنهم كانوا يعتقدون بأن احتلال صنعاء وفرض الإقامة الجبرية على رئيس البلاد ورئيس الحكومة سيجعل الأمور في أيديهم، وهذا لم يتحقق، وكان بإمكانهم عبر الانتخاب والدستور إحداث التغيير لكنهم فضلوا استخدام الأسلحة والقوة، واليوم كان لهم نفوذ في المناطق الزيدية لكنهم فقدوا مشروعهم وأصبح الشارع اليمني يرفضهم. وحول مشاركة الحوثيين في اجتماع الرياض، قال ابن صقر: «يتعمد على الموقف الإيراني، لأن الإيرانيين رفضوا المبادرة الخليجية منذ بدايتها». إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في الإمارات عبدالخالق عبدالله، إن دعوة الخليج للم الفرقاء اليمنيين هي «دعوة مناسبة في توقيتها ومكانها، لأن السعودية لديها حضور وتأثير كبير في اليمن وتستطيع تغيير مجريات الأمور في هذا البلد، لكني أستبعد في الوقت الحاضر والقريب أن جماعة الحوثي سيأتون للرياض للمشاركة بناء على الدعوة الخليجية، كون طلب الدعوة أو المقترح للمؤتمر جاء من خصمهم السياسي والرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، ولأنهم يرون أن الدول الخليجية رفضت انقلابهم، وبالتالي هم رافضون لأية دعوة تأتي من الخليج، وخصوصاً من الرياض، وسبق أن انتقدوها». وأشار إلى أن «حضورهم لا يحتاج إلى ضوء أخضر من إيران أو أي طرف آخر، وإنما هو جزء من اللعبة السياسية»، مشيراً إلى أن الوضع اليمني سيتعقد كثيراً خلال الفترة المقبلة، وأضاف: «نحن اليوم أمام يمنين وعاصمتين وقوتين، قوة تقودها جماعة محتلة في صنعاء لديها تحالفات، وهناك قوة شرعية (...)، اليمن اليوم مقسم من الأشكال كافة، ولم يحدث له مثل ما سبق، والحوثيين يريدون جر اليمن للحرب الأهلية ولن يفرطوا في مكتسباتهم، وأنا أستبعد أي حوار قريب». ودعا عبدالخالق الدول الخليجية إلى «الاستمرار في الضغط على الحوثيين اقتصادياً وسياسياً، وتكثيف دعم الشرعية الممثلة بالرئيس بكل الوسائل حتى تشعر بشعبيتها، وأنها لم تنهزم ولم تخسر، وبأنها لا تزال قوية، وفي المقابل على الدول الخليجية أن تعمل على دعم القبائل الرئيسة في اليمن، لكي تتصدى لهيمنة الحوثيين، وأن يكون ذلك بطريقة حذرة، لأن الذهاب بعيداً في هذا الملف سيمزق اليمن أكثر، وهذا ليس في المصلحة الخليجية، والأهم من ذلك هو أنه لا بد أن تأتي مصالحات من اليمنيين أنفسهم».