«حلم الربيع آت. الغضب يتعاظم. إسقاط الحكومة إذا لم تتراجع»، بهذه العبارة المقتضبة حددت قطاعات واسعة من الشعب الكيبيكي برنامجها المناهض لسياسة التقشف التي فرضتها الحكومة أخيراً. وعلى وقع هذا التحرك تستحضر كيبيك اليوم أجواء الثورة الطالبية عام 2012، التي استمرت شهوراً وأسقطت حكومة حزب الليبرال، وفرضت إجراء انتخابات مبكرة فاز بها الحزب الكيبيكي المعارض. وبعد هزيمة الأخير، دخل حزب الليبرالي الحاكم في مواجهة جديدة، لا مع الحركة الطالبية التي ثارت عليه سابقاً ضد ارتفاع الرسوم الدراسية فحسب، وإنما ضد سياسة التقشف التي استنفرت معظم نقابات العمال والمعلمين وقطاع الخدمات العامة والإعلام وموظفي البلديات والصحة والمنظمات الطالبية والحركات النسائية وغيرها التي تتهم الحكومة «بالتخلي عن إنسانيتها ومضيها في تجريد الناس من الخدمات العامة وإفقار الطلاب والطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود». ويقول منسق رابطة طلاب الجامعات و «السيجيب» في كيبيك ( مرحلة ما قبل الجامعة) فرانسوا ديروش: «اليوم يرتسم مسار التعليم المناهض للرأسمالية والتقشف. ونحن أول المعنيين بالتحدث عن إدارة الموازانات الحكومية وكشف ما فيها من هدر وفساد». ويشير بيان للرابطة إلى أن «جيلاً جديداً من الطلاب يتكون في كيبيك، ويرى أن الساحة الطالبية ما زالت ساخنة تحت الرماد، وأن مكافحة التقشف هي أكثر راديكالية من مسألة ارتفاع الرسوم. وإننا معنيون بمكافحته إلى أن تعود إلينا الخدمات التعليمية كافة التي كنا نتلقاها سابقاً». وفي مقال بعنوان «استفتاء حول التقشف»، كتبت صحيفة «لا بريس» المونتريالية، أن «المركزيات النقابية، وفي طليعتها الحركة الطالبية، بدأت تشحذ أسلحتها للدخول في معركة لإجبار حكومة مقاطعة كيبيك على التخلي عن برنامج التقويم الهيكلي للسياسات العمومية»، مضيفة أن «لهجة خطاب الزعماء النقابيين تنذر بحدوث تعبئة كبيرة للمواطنين خلال الأشهر المقبلة، بخاصة في ظل اتهامات للحكومة بنهج سياسية تختلف تماماً عن وعودها الانتخابية». تظاهرات تحذيرية وكوماندوس وانطلقت الأسبوع الفائت في وسط مونتريال تظاهرات تحذيرية عدة تزايدت أعدادها تباعاً (وفقاً لمصادر الشرطة) من 50 إلى 70 ألفاً الى حوالى مئة ألف. وتذكّر هذه الموجة من الاحتجاجات بمثيلاتها عام 2012 وقد نظمتها اتحادات عمالية ونقابية وحركات طالبية ومدنية تحت مظلة «جماعة رفض التقشف» وتسببت في شلل مروري تام، وبتحليق مروحيات تابعة للشرطة فوق المنطقة. كما شارك بشكل رمزي رجال شرطة يرتدون سراويل مموهة ويلصقون على ستراتهم الواقية للرصاص رسائل احتجاج، ضد خفض معاشات التقاعد. ولم تقتصر تظاهرات الاحتجاج على الملصقات التي تعمم على وسائل النقل العام ومحطات المترو وملابس العمال والسائقين وأفراد الشرطة وحسب، وانما بتشكيل فريق كوماندوس من الطلاب أو قوات خاصة للتدخل السريع، وهي سابقة في تاريخ التظاهرات الطالبية والمطلبية في كيبيك وكندا. وتستهل تحركها بالتنسيق مع نقابات المعلمين تحت عنوان «اهتزاز النظام التعليمي»، ويقضي بأن تقوم كل مؤسسة تعليمية بتوزيع بيانات الى أهالي الطلاب وإدارات المدارس واللجان المدرسية. أما في المدارس والجامعات، فراح الأساتذة يتأخرون عن دخول قاعات المحاضرات ويخرج الطلاب قبل انتهاء الوقت مع إطالة أوقات الاستراحة في الملاعب. وتم استعمال لفافات أوراق الحمام لكتابة الشعارات المناهضة للحكومة ووزير التربية. وملئت صناديق البريد العامة بمنشورات لإطلاع الأهل على مجرى التطورات. وانطلقت حملة توقيع شعبية في الشوارع ترافقت مع تعليق ملصقات كاريكاتورية ساخرة ورسم جداريات عملاقة من الغرافيتي وإقامة تماثيل من جليد أضيئت بشعار «أنا موجود « وصولاً الى احتلال مقار وزارة التربية ووضع طاولات الدراسة أمامها والضرب عليها بالتزامن مع رنين الأجراس وقرع الطناجر. وتهدف الحكومة الليبرالية في كيبيك إلى خفض مصروفاتها بقيمة 4 بلايين دولار في بداية العام المالي 2015- 2016 لتصل إلى 7 بلايين بنهايته، وتحقيق توازن في موازنة المقاطعة، ويصر رئيس الحكومة فيليب كويلارد على أن هذه «الإجراءات ضرورية ولا تراجع عنها» لافتا إلى وأد هذه التعبئة الاحتجاجية في المهد ومراهناً على»الغالبية الصامتة وإجراء استقتاء حول برنامج تقويم السياسات العمومية».