جمع المؤتمر السنوي الثاني ل «المنتدى العربي للبيئة والتنمية» خبراء في البيئة والتنمية والقطاعات المتصلة بها، وتوصّل الى خلاصة مفادها أن لا وجود فعلياً لبحوث بيئية عربياً، ولا قواعد معلومات حول وضع البيئة في العالم العربي. إذ تهمل الدول العربية إلى حد كبير الباحثين العرب المتخصصين في هذا المجال، متجاهلة الحاجة الماسة إليهم في ظل التهديدات البيئية. ووضع المؤتمر الإصبع على الجرح العربي بيئياً بسؤاله عن مدى فاعلية مساهمة العرب في مؤتمر كوبنهاغن حول تغير المناخ الذي يعقد الشهر المقبل، إذا لم يكونوا من أصحاب الدراسات حول تغير المناخ في بلدانهم. ولاحظ أنهم يستعينون بالدراسات الأجنبية حول أوضاعهم بيئياً. ونادى بأن تكون الدول العربية أطرافاً فاعلة في مفاوضات المناخ. هل تساهم توصيات المؤتمر في دفع العرب لصوغ مواقف موحدة تساعد في مواجهة التحديات التي تتعرض لها الدول العربية، وتساهم أيضاً الى صوغ ورقة عمل تحافظ على المصالح العربية في مؤتمر كوبنهاغن المقبل؟ الجواب الذي يجمع المشاركون في المؤتمر عليه هو أن الطريق إلى كوبنهاغن ستكون وعرة، مع تعليق الآمال على أن تبذل الدول العربية جهوداً جبارة للحوار مع الدول الصناعية الكبرى، وعدم الاكتفاء بما تقدمه لها هذه الدول من تكنولوجيا. وفي كلمة له أمام المؤتمر ذاته، قال نيلز بولتز المبعوث الخاص للدنمارك: «الاتفاقية المتوقع صدورها في كوبنهاغن يجب ان تخدم غايتين رئيسيتين. تتمثل الأولى في توجيه المفاوضات التالية للاتفاق على هيكلية قانونية شاملة مع موعد أقصى محدد. وتسعى الثانية الى الحصول على التزام سياسي يؤمن العمل الفوري لمكافحة تغير المناخ من أجل الشروع في تنفيذ تدابير متفق عليها قبل انجاز وسريان هيكلية قانونية جديدة». ودعا الدول كافة إلى الموافقة على تحمل مسؤولياتها لحماية المناخ، وبذل الجهود في هذا الإطار. التلوّث ليس عربياً المعلوم أن الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري (وتُسمى أيضاً «الغازات الدفيئة») تأتي من كبريات الدول، مثل الصين (28 في المئة) والولايات المتحدة الأميركية (25 في المئة) ودول الاتحاد الأوروبي (25 في المئة). ولا تساهم البلدان العربية إلا بأقل من 5 في المئة من غازات الدفيئة، إلا أنها من الدول الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية الناجمة عن تغير المناخ. واستعرض المؤتمر تقريراً ل «المنتدى العربي للبيئة والتنمية» عنوانه «أثر تغير المناخ في البلدان العربية». أظهر مدى تأثر العرب بتدهور الوضع البيئي، وعرض سبلاً مختلفة لتفاديها. ويُفترض بداهة أن خطورة ما تتعرض له الدول العربية من تأثيرات متوقعة لتغير المناخ، يجب أن يدفعها للعمل بجهد لمحاربة تغير المناخ والوقاية من تأثيراته. لكن الاستعداد الرسمي لهذه الدول يبقى موضع شك. هل هي مستعدة للتحول الى دول معتمدة على الطاقة المتجددة بدل الاكتفاء بكونها دولاً منتجة للطاقة؟ يتعلق هذا السؤال أيضاً بعلاقة الطاقة مع الاقتصاد. وفي حديث الى «الحياة»، يقول نجيب صعب الأمين العام ل «المنتدى العربي» أن مشاركة شركات البترول التي تعتبر ملوثة للبيئة تعبر عن استعداد هذه الشركات لتغيير طريقتها في العمل ومراعاة البيئة في عملها. بدأت بعض الدول العربية باعتماد سياسات لحماية البيئة، وبشكل أساسي العمل على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز «خزانات الكربون» وتحديداً الغابات. وتضاف الى ذلك مبادرات عربية في البيئة مثل المشروع الجزائري لاحتجاز الكربون وتخزينه، و «مدينة مصدر» الخالية من الكربون في الإمارات العربية المتحدة، ومشاريع الطاقة الشمسية في مصر وتونس والمغرب والجزائر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين وتونس والمغرب، واستخدام طاقة الرياح في مصر، والتركيز على الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر أيضاً. وفي الإطار ذاته، شرّع الأردن إعفاءات من الرسوم والضرائب لتشجيع استعمال السيارات الهجينة «هايبريد»، وأنشأت الإمارات ومصر مجلسين عربيين أولين للأبنية الخضر. ولكن، تبقى هذه المبادرات على أهميتها، مجزأة ولا تعتمد على سياسة وطنية شاملة. «مصدر»: المدينة الفاضلة للبيئة إذا كانت المدينة الفاضلة حلماً صعب التحقيق، فإن «المدينة البيئية الفاضلة» آخذة في التحقّق مع إنشاء مدينة «مصدر» الإماراتية. وتعتبر أول مدينة لا تنفث الكربون ولا ترمي مخلفات ولا تستخرج الكهرباء من النفط. ويفترض ان تُنجز في العام 2012. تفيض الدول العربية بالإمكانات التي تتيح استغلال طاقة الشمس، بحسب كلام في المؤتمر لسامي خريبي، المدير التنفيذي لشركة «أنفيرومينا» المنتجة لوسائل الطاقة المتجددة. يقول خريبي أن «مصدر» تخفّف من انبعاث 15 ألف طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون، تمثّل ما تفرزه 4500 سيارة. ويلفت خريبي إلى وجود نقاش فعلي لإيجاد شبكة تشمل دول مجلس التعاون الخليجي، منوهاً بأن التحدي الذي يواجه الدول العربية يكمن في تحول دول الخليج المنتجة للطاقة إلى الطاقة المتجددة. ويخلص الى ضرورة الاستثمار في الطاقة الشمسية. والمعلوم أن مدينة «مصدر» خُطّطت لتؤوي 40 ألف نسمة، ولتستقبل 50 ألفاً آخرين للعمل فيها. ومن المتوقع لها أن تكون منطقة حرة متخصصة ذات تكنولوجيا عالية تستضيف قرابة 1500 شركة ومركز بحوث، كما تضم معهداً للعلوم والتكنولوجيا. واستطاعت «مصدر» أن تكون أول مدينة عربية تستضيف المقر الرئيسي ل «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» التي أُنشئت حديثاً. وللحفاظ على «مصدر»، ستمنع السيارات من دخولها، وسيقتصر التنقل فيها على على السكك الحديد التي تربط بين تلك المدينة ومحيطها. ومع غياب السيارات، ستُنشئ «مصدر» طرقات ضيقة ومظللة تسمح بتحسين الهواء، وتخفف الطلب على المكيفات. وستحاط المدينة بجدران تصد الرياح الصحراوية الحارة عنها. كما ستوجّه نحو الجهة الشمالية الشرقية لتخفيف حجم سطوع الشمس المباشر على جوانب الأبنية ونوافذها. وستنتج الكهرباء فيها من طاقة الشمس. وستأتي المياه من محطة تحلية تعمل على طاقة الشمس أيضاً. وستروى النباتات والمحاصيل التي تنمو خارج المدينة وداخلها، بالمياه العادمة المعالجة التي تنتجها المدينة. وحول هذه التجربة الإماراتية، تحدث الى «الحياة» ماجد المنصوري الأمين العام ل «هيئة البيئة في أبو ظبي»، منوهاً بأن «اهتمام أبو ظبي بشكل عام بالبيئة يعود الى ما قبل العام 1964، إذ بدأ الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول عمل بيئي بوضع نظم للصيد، وتحديداً صيد المها العربية والغزلان في منطقة العين. كما وضع نظاماً لتوزيع حصص المياه على المزارع في العين». وأضاف: «إذن، تجربتنا طويلة في الموضوع البيئي ونمت مع نمو الإمارات، واليوم قطعنا شوطاً كبيراً، وبدأنا نساهم في مساعدة الدول الأخرى لناحية الدعم المادي، والدعم ببعض الحيوانات النادرة التي انقرضت في الطبيعة وهي موجودة في أبو ظبي، هذا من ناحية التنوع الحيوي والحياة الفطرية». واستطاعت الإمارة خلال السنتين الماضيتين أن تحقق تحسناً على مستوى وضع المياه الجوفية. ويوضح المنصوري أن «إمارة أبو ظبي عانت في مجال إدارة موارد المياه من شح الأمطار وتغير المناخ والاستنزاف الحاصل في المياه الجوفية، لكننا وضعنا برامج ومع مرور الوقت وزيادة الوعي لدى المستخدمين بتنا نشهد تحسناً في وضع المياه الجوفية». وتضع «هيئة البيئة في أبو ظبي» بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه الإمارتية دراسات عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتغيرات المناخ في دولة الإمارات. ويشير المنصوري إلى وجود «دراسات حول البصمة البيئية على المستوى العالمي لدولة الإمارات، ونحن ثالث دولة في هذا الشأن، بعد سويسرا واليابان». ويشير إلى أن دراسات البصمة البيئية حازت التقدير كإنجاز عربي «على المستوى العالمي، حيث نُظِر بتقدير عال إلى واقع أن دولة نفطية تضع خططاً للتقليل من البصمة البيئية وتأثيراتها». وحول ازدياد الأبراج في الإمارات ومدى اعتمادها أُسس العمارة البيئية الخضراء، يقول المنصوري «أن هيئة البيئة مسؤولة عن التراخيص الصناعية، لذا تبنينا قضية التنمية المستدامة التي يعتبرها المجلس التنفيذي في إمارة أبو ظبي شرطاً للتنمية». ويضيف: « نحن نراعي الشروط البيئية ولدينا بالتعاون مع هيئة التخطيط العمراني الاشتراطات التي تسمى الاستدامة وتركز على قضايا البناء واستهلاك الطاقة والمياه والأجواء الداخلية والتصاميم». ويلفت الى وجود «خمس لآلئ» تمنح للمؤسسات التي تساهم في تحسين البيئة وحتى تصل أي مؤسسة للؤلؤة الخامسة يجب أن يكون لها دور كمطور في تحسين البيئة لحال البناء، لكن غالبية المؤسسات تصل فقط للؤلؤة الرابعة». ومن المشاريع القليلة التي نالت اللآلئ الخمس يورد «مشروع «مصدر» ومشروع لهيئة السياحة ومثله مشروع مركز التعليم الصحراوي في العين». ويلفت إلى أن «هذا يؤشر الى اهتمام المؤسسات بالمشاركة في وضع السياسات مع هيئة البيئة». ويتحدث المنصوري عن بناء الجزر الاصطناعية وردم البحر المنتشرين بكثرة في الإمارات، في ظل التهديد بارتفاع منسوب المياه وإغراق اليابسة. ويقول: «هناك إدراك للأمر ويجرى التفكير في كيفية التقليل من بناء الجزر، لكن لأن هذه الجزر غير موجودة في أبو ظبي، لا يمكنني التعليق على الموضوع».