ما إن ينتهي موسم شهر رمضان الدرامي، حتى تبدأ مواسم التكريم لتلك الدراما التي عرضت خلاله، وإذا كان مهرجان الإعلام العربي في القاهرة هو الأبرز في هذا السياق، والأكثر شمولية (من دون أن يعني ذلك نزاهته وموضوعيته)، فإن التكريم لم يعد يقتصر عليه، بل راحت تتكرس «تقاليد تكريمية» في سورية ودول الخليج، وصولاً إلى المغرب العربي. بل أن ثمة شركات ومؤسسات خاصة بدأت تهتم بتقويم الدراما مثل «جائزة أدونيا» للدراما السورية التي تنظمها شركة خاصة، فضلاً عن أن وسائل الإعلام المختلفة تنظم استفتاءات واستطلاعات بغرض تقويم تلك الأعمال الدرامية. لا أحد بالطبع يمكنه أن يعارض التكريم من حيث المبدأ، فتكريم مسلسل أو ممثل أو فني يأتي إثر التقويم الايجابي، وهذا يعني، ببساطة، تشجيعاً على الاتقان والتميز والابتكار. لكن المعضلة تتمثل في أن معايير ومقاييس التقويم تكاد تكون غائبة بالنظر إلى غياب معاهد وأكاديميات مهتمة بالدراما التلفزيونية بصورة عامة. من هنا، فإن التكريم يحيد، أحياناً، عن الهدف المرجو منه، لأنه يأتي لاعتبارات لا علاقة لها بالجوانب الفنية والجمالية في العمل، بل لاعتبارات «شللية»، و «محسوبيات»، و«تطييب خواطر» وقد تصل لمبررات «جغرافية»، و «مناطقية»... وكل هذه المفردات وسواها لا تسوغ شيوع الفن الرديء فحسب، بل ربما تفقد شهية بعض المتحمسين والمجتهدين نحو تقديم أعمال لافتة، طالما أن مسؤولي التكريم لا يكلفون أنفسهم عناء التمييز بين غث الفن وسمينه! وحتى إذا أغفلنا تلك المبررات «الساذجة»، وافترضنا النزاهة في اللجان التي تقوّم الأعمال بغية تكريمها، فإن ثمة مشكلة أخرى تتمثل في أن هناك أعمالاً سقطت نقدياً، و«رُجمت» بحبر الصحافة مراراً، لكنها حققت رواجاً وشهرة وقبولاً واسعاً على المستوى الجماهيري ونسب المتابعة، ك «باب الحارة» مثلاً. وثمة، في المقابل، أعمال جسدت المعادلة بصورة معاكسة، إذ نالت إعجاب النقاد، ومدحهم، لكنها لم تحظَ بالمكانة ذاتها لدى الجمهور العريض الذي عافها منذ الحلقات الأولى. والسؤال هنا: إلى أي من الجانبين يفترض أن يميل التكريم؟ هل يسير في ركاب الجمهور، أم يقف في صف النقد؟ هنا، قد نصل إلى قيمة التكريم الجوهرية، وهي انه يساهم في خلق السجال والحوار، ويبرز الاختلاف في المواقف والآراء، ويمهد الأرضية لنقاش جاد حول «سبل النهوض بالدراما العربية»! يا له من تعبير فضفاض يختزل كثيراً واقع «التكريمات العربية»، بل واقع الثقافة العربية الذي كاد أن يتجاهل كل الفنون الأخرى، واقتصر اهتمامه على «دراما تلفزيونية» فائضة، لا تعثر فيها إلا على القليل الذي يستحق التكريم والثناء!