حملت إعادة فتح المتحف الوطني العراقي بعد 12 عاماً على تعرضه للنهب، إبان الإجتياح الأميركي، فرحاً للعراقيين الذين شاهدوا بأسى، قبل أيام، شريطاً لعناصر «داعش» وهم يدمرون آثاراً لا تقدر بثمن في الموصل. وجاءت إعادة افتتاح المتحف امام الجمهور الأحد، غداة احتفال رسمي حضره رئيس الوزراء حيدر العبادي، رداً على الشريط الذي نشره التنظيم الخميس. والكثير من القطع المعروضة في المتحف الوطني في بغداد، هي من أصل 15 ألف قطعة تعرضت للنهب بعيد دخول القوات الأميركية بغداد في نيسان (ابريل) 2003، والفوضى التي تلت سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وتمكنت السلطات العراقية من استعادة نحو 4300 قطعة من آثار المتحف الذي كان يعتبر قبل 2003، من أغنى المواقع الاثرية في العالم. واقبل نحو 100 شخص على زيارة المتحف الأحد، اول ايام العمل الاسبوعية في العراق، بينهم طلاب جامعيون وزوار من مختلف الاعمار العديد منهم يزور المتحف للمرة الاولى. ومن هؤلاء امرأة قدمت نفسها باسم أم أحمد، وهي موظفة في وزارة التربية. وقالت المرأة التي ارتدت زياً اسود وغطت رأسها بحجاب بني فاتح: «شعرت دائماً بأنني يجب ان أزور المتحف». وأضافت وهي تتجول ببطء أمام تسع قطع حجرية ضخمة تمثل الملك سرجون الآشوري: «المتحف تحفة. لم اكن يوماً فخورة الى هذا الحد». وتابعت: «انا هنا منذ نحو ساعة ونصف الساعة، وأنوي زيارة المتحف مجدداً. لا يُشبع منه»، وبريق عينيها يبدو جلياً وهي تنظر بدهشة الى تماثيل ملوك حكموا بلاد ما بين النهرين قبل آلاف السنين. أما حسن علي، وهو طالب حقوق في كلية دجلة، فقد وصل برفقة زميلين بعد انتهاء الدوام الجامعي، لرؤية تمثال الملك السومري اورنمو الذي حكم قبل اربعة آلاف عام، وينسب اليه الفضل في وضع اولى النصوص القانونية. وقال حسن الذي كان يبلغ من العمر تسعة اعوام فقط عند اقفال المتحف عام 2003: «يرد ذكره دائماً في كتبنا الجامعية، لذا كان علينا ان نأتي الى هنا لنتعرف اليه». وأضاف: «نفتخر بأن هذه الحضارات كانت في بلدنا». وتسبب المشاهد التي بثها «داعش» الخميس الماضي، وتظهر تحطيم تماثيل اثرية في متحف الموصل واستخدام آلات كهربائية لتشويه تمثال ضخم لثور مجنح عند بوابة نركال في المدينة، صدمة للعراقيين واستنكاراً عالمياً واسعاً. وحفزت هذه المشاهد العراقيين على الاقبال على متاحف بلادهم واعادة اكتشاف تاريخهم المشترك الذي قد ينسيهم اعمال العنف اليومية والتوتر المذهبي والانتماءات القومية التي تسببت بتباينات واسعة بينهم خلال الاعوام الماضية. وقالت آية منصور، وهي كاتبة شابة تعتزم زيارة المتحف مع اصدقائها اليوم: «هو مكان حلمت بزيارته كل ليلة، وموقعه قريب جداً من منزلي». وبدت بعض قاعات المتحف غير جاهزة لاستقبال الزوار، وما زالت تحتاج الى أعمال تأهيل بسيطة. وفي إحدى القاعات، كان مخرج الطوارىء مفتوحاً من دون أي حراسة، وهو يطل على حديقة فيها بعض تجهيزات الري. وكان مسؤولون عراقيون في وزارة السياحة والآثار أفادوا السبت ان أعمال التأهيل لاعادة افتتاح المتحف كانت على قدم وساق خلال الاشهر الماضية، الا ان احداث الموصل سرعت في قرار اعادة افتتاحه. ولم يخف العاملون في المتحف وخبراء الآثار في العالم، فرحتهم بعودته وافتتاحه، بتذكرة يبلغ سعرها 1,25 دولار فقط، بالاطلاع على كنوز أثرية من حضارة بلادهم، من دون الحاجة الى زيارة متاحف كبرى في العالم تعرض هذا الآثار، كمتحف اللوفر في باريس او المتحف البريطاني في لندن. وقال تشارلز جونز، وهو استاذ في جامعة بنسلفانيا الاميركية عمل على استعادة الآثار العراقية المنهوبة، ان اعادة افتتاح المتحف «أمر رائع».