رحل الممثل الفلسطيني غسان مطر بعدما بقي في العناية المركزة حوالى شهر. سبق لوسائل الإعلام المرئي ومواقع التواصل الاجتماعي أن تناقلت خبر رحيله على رغم نفي نقيب الفنانين المصريين سامح السريطي ذلك في تصريح تلا هذا الخبر. اللافت هو اصرار هذه المواقع ومحطات تستقي الأخبار منها على رحيله حتى أنها أطنبت حينها في ذكر محاسنه في الفن والدراما والحياة، من دون افساح المجال لنفي هذه الإشاعة. المفارقة تكمن في الخبر الفعلي الذي لم يحظ بتغطيات تليق به. بدا الأمر شائناً ومقززاً لأنه يتناول عائلة مطر ومحبيه بنوع من القسوة لايجوز الاستمرار بها وتكرارها مع شخصيات أخرى، لأنها تعكس مزاجاً سادياً سائداً على محطات فضائية تتلقف وتتقاذف أفلام الذبح والحرق ولايمكن انكار تأثيراته النفسية والاجتماعية على المتلقي الذي صار محكوماً الى هذه الوسائط ويستقي منها المعلومات والأخبار من دون أن يمتلك في الوقت ذاته امكانية الحكم والتمييز، والتبرؤ من بعض الأخبار الصفراء. والأسوأ من كل هذا هو الاستسلام الكلي لمقدرات البث التلفزيوني الذي لايكلف نفسه عناء تكذيب الخبر في اليوم التالي، مع مايعني ذلك من اساءات معنوية مضاعفة لهذا الراحل أو ذاك. غسان مطر شكل مفاجأة أخرى لبعضهم حين اكتشف اسمه الحقيقي وجنسيته. في يافا ولد عام 1938، وعاش طفولته وشبابه في مخيم البداوي شمال لبنان بعد الخروج الكبير من فلسطين. اسمه الحقيقي عرفات مطر حسن الداوودي. عمل في سن مبكرة في بعض الأعمال التلفزيونية بين لبنان والقاهرة قبل أن يطلقه فيلما «الفلسطيني الثائر» و»كلنا فدائيون» في سماء السينما العربية الملبدة بغيوم تجارية وحسابات مالية ضيقة، وإن اتكأت في موضوعاتها على محاكاة القضية الفلسطينية من خلال نموذج البطل السوبرمان الذي لايقهر. ليس في الأمر أحجية، فبين أن يستمر مطر في هذه النوعية الملتبسة من الأفلام، وبين الانتقال للعمل في السينما العربية الأخرى، اختار من دون تردد «أم الدنيا» ليقيم فيها ويستقر على نوع اشكالي أكبر: الشخصية الشريرة التي لايمكن لفيلم أن يعبر الى المشاهد من دونها. في تلك الفترة الحاسمة في مصيره كان صعباً للشاشة الصغيرة أن «تصطاده»، وبخاصة أنه قد حسم خياراته الفنية تماماً. حتى مشاركته في فيلم «الطريق الى ايلات» جاءت لتكمل هذه الخيارات. لم يكن ممكناً لواحد غير غسان مطر أن يقوم بمثل هذه الأدوار حتى في السينما المصرية التي عرّفت العالم العربي به. ربما كان صعباً على ممثل غيره أن يملأ هذه المساحة من الشر بأداء حيوي وبلكنة مميزة. جاء خبر وفاته الفعلي في الهامش وسط زحمة فضائية لاترحم. ولم تنتبه له الا في أخبار سريعة. ربما ضيّع أثره من قبل حين ارتبط بالأدوار التي لم يكن ممكناً له أن يغادرها اطلاقاً حتى في أدواره الكوميدية الأخيرة: نبرة الصوت الرنانة والملامح القاسية.