عرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مساء أمس (الثلثاء) على العاهل السعودي الملك عبدالله الذي استقبله في الجنادرية قرب الرياض فكرته بعقد قمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في باريس لدفع عملية السلام. وأطلعه على فكرته التي تبلورت بعد أن بحثها مع كل من عباس ونتانياهو والرئيس الروسي ميدفيديف واتصالات أجرتها بعثة فرنسية مع الإدارة الأميركية. فساركوزي يطمح الى أن تكون هذه القمة بمشاركة أساسية للإدارة الأميركية ودول الرباعية وقيادات الدولتين الأساسيتين في الشرق الأوسط، السعودية ومصر. ووصف ساركوزي القيادة السعودية بأنها «قيادة حكيمة»، وقال إنه جاء يجري مباحثات معمقة معها. فهو توجه إليها معطياً الزيارة طابعاً خاصاً من دون مواكبة إعلامية تقليدية. وأطلع العاهل السعودي على محادثاته المكثفة في باريس مع كل من نتانياهو والرئيس السوري بشار الأسد والعراقي جلال طالباني، وكذلك هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ومشروع هذه القمة الذي قد يعطي ساركوزي زخماً دولياً وداخلياً محكوم بالفشل طالما لم تضغط الإدارة الأميركية بفاعلية على نتانياهو لتغيير نهجه تجاه الفلسطينيين والتحرك فعلاً نحو مسار تفاوضي سلمي. ويأمل الرئيس الفرنسي في الحصول على تعبئة من أجل مشروعه وهو يدرك أن الدور الأميركي اساسي. ولكن لماذا سيعطيه أوباما هذه الهدية وهو بحاجة الى النجاح بنفسه في هذا المسار الصعب الذي وعد أنه سيعمل لحله؟ فواقع الحال أن الرئيس الفرنسي على قناعة أن الإدارة الأميركية أخطأت بنهجها في تحديد وقف الاستيطان كشرط لعودة التفاوض على الجانب الإسرائيلي. ففرنسا على قناعة أنه ينبغي وضع كل الملفات على الطاولة والتفاوض عليها وهي وقف الاستيطان والقدس والحدود الخ... إلا أن مشروع ساركوزي قد يكون حلماً محطماً لأن رئيس حكومة اسرائيل يناور ولا يريد أي دولة فلسطينية وأي تنازل وأي سلام. ووحده الرئيس الأميركي بإمكانه الضغط الحقيقي. أما بالنسبة الى المسار السوري – الإسرائيلي، فكانت رغبة ساركوزي أن يحصل من صديقه السوري الجديد على دور معين على مسار تعطل منذ حرب غزة وتدهور العلاقة التركية – الإسرائيلية. وهنا أيضاً يناور الجانب الإسرائيلي ويسرّب معلومات حول رسالة إسرائيلية عبر فرنسا الى الأسد وأن نتانياهو يفضل ساركوزي كوسيط على الوسيط التركي. أما الرئيس السوري فأكد علناً أنه عازم على الإبقاء على الوسيط التركي وأن الطلب الوحيد الذي قدمه لصديقه ساركوزي هو أن يضغط على إسرائيل لتقبل بالوسيط التركي وتعاود المفاوضات. فالزيارة الرئاسية السورية الى فرنسا كانت ناجحة ومهمة للرئيس السوري الذي حصل على استقبال أرفع من زيارات العمل التقليدية. فتمكن من القيام بعملية علاقات عامة لا مثيل لها في العاصمة الفرنسية. فلم يبخل الرئيس السوري باللقاءات الإعلامية والإطلالات التلفزيونية. وقد عُقدت له اجتماعات مع أرفع الوجوه المثقفة الفرنسية والإعلامية التي رأت في الرئيس السوري جاذبية وحداثة ومهارة في التعامل مع الإعلاميين على عكس سفارته في فرنسا التي كانت موضع انتقاد. الا أن الزيارة لم تعطِ شيئاً لساركوزي، لا على المسار السوري – الإسرائيلي المعطل ولا بالنسبة الى الحلف مع ايران، حيث انتقد الأسد التعامل الأوروبي مع إيران حول هذا الملف، ولا بالنسبة الى الفرنسية – الإيرانية المحتجزة في طهران كلوتيلد رايس. فقد أوصى الرئيس السوري المسؤولين الفرنسيين أنهم إذا أرادوا حل هذه القضية أن يعتمدوا الإطار القانوني ويرسلوا محامين وقانونيين لمحاكمتها في إيران، أو أن يكون إطاراً سياسياً وتحل القضية عبر دفع ثمن سياسي في الملف النووي وأخذ المقترحات الايرانية في الاعتبار. فتحذيرات ساركوزي من ضربة عسكرية إسرائيلية على إيران وتخوفه من اندلاع حريق في المنطقة لم تؤدِ الى تغيير الموقف السوري. أما بالنسبة الى لبنان فكانت ملاحظة الرئيس السوري أن الخلافات داخل لبنان هي بسبب اللبنانيين أنفسهم وأن لا علاقة لسورية بالخلافات اللبنانية. وأن استقرار لبنان وانتعاشه لمصلحة سورية. ووافقه الجانب الفرنسي الرأي حول تحسن الأوضاع في لبنان ولم يكن هناك أي طلب إضافي من فرنسا بالنسبة الى هذا الملف الذي أخذ وقتاً قصيراً من المحادثات. هل ينجح ساركوزي في إقناع الملك عبدالله في المشاركة في قمة فلسطينية – إسرائيلية أم أن المواقف الاسرائيلية خيّبت أمل العاهل السعودي من إدارة إسرائيلية طرحت عليها المبادرة العربية فرصة ذهبية للسلام لكنها ظلت تناور في قبولها؟ الخوف أن يتحطم حلم ساركوزي بدفع عجلة السلام بسبب مناورات صديقه الإسرائيلي!