احتفل في نيويورك قبل أيام بإطلاق اسم «شارع سمسم» على أحد شوارعها في الذكرى الأربعين لاطلاق البرنامج التلفزيوني المعنون بالاسم ذاته. ففي عام 1969، كان الآباء الأميركيون على موعد تاريخي مع برنامج بدا لهم في ذلك الحين أنه يقدم عملاً عقلياً يفوق أي عمل آخر يوفرونه لأبنائهم، كما تذهب الباحثة ماري وين في كتابها «الأطفال والادمان التلفزيوني». النتائج كما ترى الباحثة جاءت مخيبة للآمال، ذلك أن توقع نجاح البرنامج في ردم الهوة بين أطفال الطبقة الوسطى الذين حصلوا على فرص لفظية وافرة في البيت وأولئك الأطفال المحرومين من فرص كهذه لم يتحقق. الأطفال الفقراء لم يلحقوا بأقرانهم الأكثر تميزاً على رغم حرصهم على مشاهدة «شارع سمسم» سنة بعد أخرى. وتؤكد الباحثتان دوروثي كوهين وجيرومي سنجر، وهما اختصاصيتان في علم النفس، وتديران مركز الأسرة للبحوث التلفزيونية في جامعة «يال» الأميركية أن برامج على شاكلة «شارع سمسم» لا تترك إلا القليل من الوقت للاستجابة. وهي توجد توجهاً سيكولوجياً لدى الطفل يفضي إلى تقليل سعة الانتباه ونقص التلقائية. وبما أن الحديث يدور عن الشارع الذائع الصيت، فإنه يبدو صعباً في أيامنا هذه مراقبة تطور الأطفال، فعدم الفهم المتبادل يقفز أمام الأهل فجأة. ذلك أن عصر التلفزيون كان مدخل هؤلاء الأطفال إلى التخيل الرمزي للواقع. وما يحدث الآن لهذه الأجيال مرعب، فالتعلم، ودائماً بحسب الباحثة وين، يتضمن العويل والصراخ والقاء الأشياء والازعاج، لأن هذا يجر الأهل أنفسهم إلى الاسترخاء، ف «هم مخدرون، ويقومون بتخدير أطفالهم بغية الاستراحة من نزقهم طبقاً للديكتاتوريات الالكترونية، لا الأولويات الانسانية». وهكذا يتجلى أكثر فأكثر أن الغاء الحدود بين الكبار والصغار تنقله عوامل الكترونية، والطفولة هنا مجرد عوالم خاصة تتطور كما يبدو للوهلة الأولى بمعزل عن الكبار، ولنقل بشكل استقلالي، لكنها تحتاج إلى تفاعل متبادل مع عالم الكبار. وهذا لا يهم كثيراً، فالمملكة التلفزيونية أكبر من كل المقاسات، والتوعية المجتمعية الآن لم تعد قائمة بالتعلم على أيدي المسنين، فلم يعد النظر إلى الكبار مجدياً، اذ يصبح الاحتكاك بين الكبار والصغار معدوماً لا تقيمه اللغة. فالتلفزيون بحسب برونو بتلهايم، الباحث المتخصص في برنامج «شارع سمسم» يأسر الخيال لكنه لا يحرره. أما الكتاب الجيد، فإنه ينبّه الذهن ويحرره في الوقت ذاته. بعد 40 عاماً على انطلاق البرنامج هل يمكن الحديث عن جيل الكساد التلفزيوني؟ لا شك أن الطفل اليوم يقع في محيط نشاط – تجيب الباحثة وين – «لا هو باللعب، ولاهو بالنوم، بل يقع في مكان ما بين هذا وذاك، اذ يبدو الأطفال الذين تربوا عليه مستسلمين لوخزات الزمن التلفزيوني، الزمن القائم على هدم عوالمهم وتهديم شرعية براءتهم وألعابهم وألفاظهم».