دشّنت انتخابات «جامعة القديس يوسف» (اليسوعية) في لبنان، بكلياتها وفروعها كافة، مرحلة جديدة من «التشابك» الطالبي الروتيني والمتوقع عند كل استحقاق انتخابي، لكنها جاءت هذه المرة تحت مظلة القانون النسبي. لم يكن تطبيق إدارة الجامعة لهذا النظام، الذي عجز أهل السياسة عن تطبيقه عن قصد أو غير قصد في الانتخابات النيابية، سوى محاولة لتصويب مسار العمل الجامعي الانتخابي، الذي حوّله «النظام الأكثري» الى ما يشبه ساحات معارك في حرم الجامعات، وهي محاولة أيدها بعضهم وتحفظ عنها بعضهم الآخر، لكونها ترمي الى «مساواة الأقلية الخاسرة بالأكثرية»، وشدّ وتر العصب الطائفي في الجامعات. ولن تكون انتخابات رؤساء الهيئات الطالبية في الجامعة اليسوعية، والانتخابات في الجامعات الأخرى (البلمند، الجامعة اللبنانية - الاميركية، الجامعة الاميركية...) سوى نسخة «طبق الأصل» عن سابقاتها من الاستحقاقات «الملتهبة» بغض النظر عن النظام الانتخابي الذي ستعتمده كل جامعة، لناحية الشحن السياسي، والحديث المتكرّر عن تدخل الإدارة في الشؤون الطالبية، والتناقض في فرز النتائج، ودخول الزعامات السياسية طرفاً في اللعبة الطالبية وتحوّلها الى منابر للترويج عن فوز أكيد أو... خسارة «مبرّرة». هي إذاً ثقافة جامعية لا تجد من يحاول تشريح مسبباتها، ببساطة لأن الجامعة تحوّلت بحد ذاتها الى إحدى ساحات العراك السياسي التي تشكل امتداداً طبيعياً لنزاع القيادات الحاكمة. ولذلك لن يكون غريباً أن تسمع طلاب «القوات اللبنانية» يطالبون «بتحرير اليسوعية من الزحف الايراني»، بسبب انتساب عدد لافت من الطلاب المؤيدين ل «حزب الله» اليها، أو ترى طالباً عونياً يصر على «اقتلاع» النفوذ القواتي المتطرف من ساحات الجامعات». كل ذلك بحماية مباشرة من القوى الأمنية التي لم تضطر هذه السنة، في بداية أولى الاستحقاقات الانتخابية الطالبية في اليسوعية، الى التدخل بخراطيم المياه أو العصي لتفريق الطلاب بعضهم عن بعض، وإن كان اليوم الانتخابي الثقيل قد شهد مناوشات خفيفة بعبوات المياه البلاستيكية، وبعض المناكفات التي لم تصل حد الاشتباك المباشر. النتيجة الأهم في انتخابات اليسوعية، والتي قد تتكرّر في الاستحقاقات المقبلة، هي اعتماد نظرية المذيع الفرنسي الراحل جاك مارتان «الجميع ربح». هنا لا تجد من يقرّ بخسارة بعدما تحوّل الربح الى مجرد وجهة نظر لا يعود للأرقام فيها أي قيمة، وعندها يدخل القانون النسبي الذي طبقته الجامعة في إطار البازار السياسي المفتوح. يقول رئيس مصلحة الطلاب في «القوات اللبنانية» شربل عيد: «نحن نحترم إدارة الجامعة ونؤيد اي قانون تعتمده في الانتخابات. والقانون النسبي لم يسئ الى الانتخابات ولم يزعجنا. هو نظام مختلف عن النظام الأكثري، وقد ربحنا في هذه الجولة ليس بسبب القانون، لكن لاسباب عدة منها التغير الكبير في المزاج المسيحي العام، وهناك وعود قطعناها في السابق للطلاب ووفينا بها، لذلك كان تجديد الثقة بنا، وهناك برنامج انتخابي تقدمنا به وسبقنا غيرنا في مضمونه». في المقابل، يشدد رئيس مصلحة الطلاب في «التيار الوطني الحر» ماريو شمعون على أن العونيين هم «من المطالبين الأوائل بتطبيق قانون النسبية، لكن مع توسيع الدوائر». وأضاف: «النسبية في شكلها الحالي، كما طبقت في الانتخابات الأخيرة، أتاحت لصفوف فيها 50 تلميذاً من أن تحصل على مندوبين. نحن مع تعميم هذه التجربة لكن بشرط التعديل، لكي يرتدي التمثيل الطالبي صدقية أكبر». ويعترف الجانبان، «القواتيون» و «العونيون» على حد سواء، بالربح في جامعة تعكس بامتياز «النفَس» المسيحي. ويقول عيد: «هناك قرينة نفسية تؤكد ربحنا». ولم يقتصر إعلان النتائج على ادارة الجامعة أو الجسم الطالبي، بل دخل السياسيون أيضاً على الخط فأعلن زعيم «التيار الحر» ميشال عون عن النتائج بتوتر كبير، «ما يشير الى إحساسه بالخسارة» بحسب عيد الذي يضيف: «ربحنا 15 كلية و6 للمعارضة و2 للمستقلين، فكيف نكون قد خسرنا والصوت المسيحي بنسبة 57 في المئة كان الى جانبنا؟». ويضيف: «على كل حال «حزب الله» كان في المعركة وليس العونيين، وليس صدفة قرار التعمية على الحقائق، لأنه يكشف خسارتهم». أما شمعون فيشير الى «تدخل الادارة في القانون والترشيحات وتمرير لوائح الشطب الى «القوات»، مع ذلك حصدنا أعداداً من المندوبين أكثر من «فريق الأكثرية». أما التناقض في النتائج، يضيف شمعون، «فسببه غياب حس الثقافة والديموقراطية، حتى عندما كان يطبق القانون الأكثري، واكتسحنا نحن اليسوعية، وأعلن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع انتصاره». هكذا لم يلغ القانون النسبي «الحساسية» الطالبية المفرطة حيال ترجمة الأرقام. ايجابية الغاء الفوارق بين الرابح والخاسر في الجامعات باعتماد النسبية، قوبلت بتذمر من «نوايا» إلغاء مبدأ الاكتساح في الجامعات، الذي من شأنه أن يعكس فوز اللون الواحد، ويرسخ الطائفية بين الطلاب عبر بروز قوائم انتخابية من صبغة طائفية واحدة. والأهم أنه لم يخفّف من وطأة تحوّل الطلاب الى «ناطقين رسميين» باسم زعمائهم. ففي حرم الجامعات تسمع كلاماً صريحاً بأن الفوز أو الخسارة هما امتداد «طبيعي» لموازين الربح والخسارة في الخارج حيث تحضّر التسويات الكبيرة والصغيرة، وتقدم على «طبق من فضة» لاستثمارها حتى آخر نقطة على مقاعد الجامعات... وبمختلف الوسائل. في المحصلة خرج القطار عن مساره وأدخل ركابه في نفق المجهول. فالغاية الأساسية من كل انتخابات طالبية هي تنمية الحسّ الديموقراطي لدى الطلاب عبر دفعهم الى إدارة شؤونهم الطالبية بأنفسهم واستنباط الأفضل لحياتهم الجامعية ضمن فريق واحد متعدد الانتماءات. على أرض الواقع، تحوّل الطلاب الى «حصان طروادة» لتسويق شعارات قياداتهم واستأنسوا لعب دور المرآة «لأحجامهم» السياسية.