لا يتوقع المشاهد لعرض «سكستيت» (سداسي) في مسرح رون بوان الباريسي الكبير أنه سيقضي حوالى عشر دقائق في صحبة أم كلثوم، ليس عن طريق أغنية مسجلة تذاع أثناء العرض ولكن بفضل موهبة وحنجرة الممثلة والمغنية جوهانا نزار التي تقف فجأة في مقدم الخشبة مرددة أحد أجمل مقاطع أغنية «ومرت الأيام» لكوكب الشرق. تدرّبت نزار كثيراً على هذه الأغنية وإلا لما تمكنت من إعادتها إلى الحياة بصدق وقوة، وبلغة عربية أصيلة مجردة من أدنى لكنة، علما أنها فرنسية لا تقبل الرد على السؤال حول جذورها العربية التي يكشفها اسمها. وهي إذا حافظت على سرها هذا محيطة هويتها بالغموض، أضافت إلى وصلتها الغنائية سحراً يثير فضول الجمهور. المسرحية التي كتبها ريمي دو فوس وأخرجها إيريك فينييه، عرضت في مهرجان «بريتاني» المسرحي الفرنسي السنوي قبل باريس، معروف بجودة الأعمال التي يقدمها والتي غالباً ما تعثر لاحقاً على فرص العروض الجيدة في المسارح الباريسية المرموقة. ويضم العرض نخبة من الممثلين على رأسهم الفرنسي ميشا ليسكو الذي يتميز بليونة جسدية استثنائية تشكل أحد الجوانب الفكاهية الجذابة في «سكستيت»، إضافة الى الممثل العربي مهدي دهبي. ومن الجانب النسائي، غير نزار، يعيد الجمهور اكتشاف الممثلة الفرنسية البرتغالية الأصل ماريا دي ميديروس التي سبق لها النجاح العريض بفضل الأفلام الأميركية التي شاركت فيها وأبرزها «هنري وجون» قبل أن تقرر التخصص في الإخراج السينمائي لفترة زمنية في البرتغال. وتغني ميديروس الأوبرا وترقص وتمثل بمهارة تؤكد أنها فنانة كبيرة ومتكاملة يجدر بها ألا تكرر تجربة الاعتزال مهما أصابها فيروس الإخراج البرتغالي. وتدور أحداث العرض حول استقبال رجل شاب ست نساء في بيته في يوم وفاة والدته، وكلهن قادمات لتقديم التعزية كل واحدة على طريقتها مثل ترديد أحد مقاطع أغنية لأم كلثوم أو قطعة من أوبرا للمؤلف شوبير أو رقصة باليه كلاسيكية. وهناك واحدة منهن فخورة بالإعلان عن خضوعها بجراحة تجميلية لتكبير صدرها بينما يحقدن عليها الأخريات لأن الوقت غير مناسب للكلام عن هذه الأمور السطحية. وهناك كلبة الجيران التي فرت من بيت أصحابها وتجد نفسها في وسط جلسة التعزية، وتؤديها ببراعة الممثلة ماري فرانس لامبرت. والمعروف عن مدير مسرح «رون بوان» جان ميشيل ريب، وهو في الأصل مخرج وممثل، موهبته في اكتشاف الأعمال الخارجة عن إطار المألوف في المسرح الفرنسي ومجازفته المستمرة عن طريق طرح الأعمال الجريئة القريبة ربما إلى المسرح اللندني، و استخدامه المواهب المتعددة الجنسيات في الإخراج والتمثيل وحتى في التأليف. وبينما يعتاد الجمهور الباريسي مشاهدة مسرحيات موليير وشكسبير مرات ومرات في كل موسم، يتميّز م سرح «رون بوان» بتقديم ممثلة إيطالية تقدم عرضاً مفرداً بلغتها مع ترجمة مكتوبة فوق شاشة معلقة خلف الفنانة، أو عمل لطاهر بن جلون أو مجموعة من الفقرات الفكاهية الشرقية الإيحاء تحت عنوان «مزة». والطريف في الموضوع أن المسرح لا يعاني، مثل غيره حالياً من الأزمة الاقتصادية، وأن الحجز لعروضه المختلفة ضروري جداً بسبب امتلاء قاعاته الثلاث يومياً، ما يدل على مدى تلهف الجمهور الباريسي لما هو جديد وشيق وأجنبي في الميدان الثقافي.