يضعون السواتر وأكياس الرمل، لكنهم لا يتمترسون خلفها. أولئك هم الجنود السعوديون، الذين يقفون شامخين على حدود الوطن الجنوبية. أن تكتب عن الجندي السعودي فأنت تكتب عن ذاتك. عن رجل وضع روحه على كفه ليحمي الأرض من عبث الغادرين، لهذا كنت أجد متعة كبيرة في مشاهدة الصور التي يرسلها زميلنا مصور «الحياة» عامر الهلابي من الخطوط الأمامية بجازان. صور كثيرة لفتت انتباهي. صور أكثر جعلتني أقف والزميل جميل الذيابي على طرفي نقيض، فهو يريدها للصفحة الأولى، وأنا أطمع أن تكون جميع الصور المعبرة في الصفحة الثانية أو الصفحات المختصة بأحداث جازان، لكنّا ومع اقتراب موعد الطباعة، نتفق أن تخرج «الحياة» لقرائها بحلة أكثر بهاء وصدقيه. بالأمس شاهدت صورة لمجموعة من الجنود في أرض المعركة وهم يقفون خلف ساتر ترابي بالكاد يغطي وسطهم، وسألت نفسي: هل بإمكان ساتر لا يتجاوز ارتفاعه 100 سم أن يقي هؤلاء الجنود ويحميهم من عدو امتهن الغدر؟... ولماذا يقفون ويصبحون هدفاً لنيران العدو؟... أليس بإمكانهم أن يأخذوا وضع الانبطاح ليجنبوا أنفسهم خطر الموت؟... كل هذه الأسئلة، أجاب عليها صديق لي أمضى أكثر من 35 عاماً في القوات المسلحة، يقول صديقي: «هؤلاء الجنود الذين لم يحتموا بالسواتر الترابية، يؤمنون بأن الحامي والساتر هو الله عزوجل، وأن وضعهم لهذه السواتر الترابية وأكياس الرمل، ليس إلا إجراءً عسكرياً وإطاعة لأوامر قيادتهم». عندها تذكرت صورة أخرى نشرتها إحدى الصحف المحلية لعدد من الجنود وهم يؤدون صلاة العصر في ميدان المعركة، وتذكرت أيضاً أن جندياً وضع الله نصب عينيه في أحلك الظروف، لا يمكن أن يقهره باغٍ امتهن الغدر، وتلك هي عقيدة جنودنا البواسل على الخطوط الأمامية. أن تكتب عن الجندي السعودي، فأنت تكتب عن رجل مؤمن يضع الله نصب عينيه وهو يقيم صلاته في الميدان غير آبه بما يفعله الغادرون. بالأمس شاهد العالم عبر الفضائيات جنوداً من حرس الحدود السعودي وهم يوزعون الماء على النازحين اليمنيين من الموت الحوثي إلى الأهل في «مملكة الإنسانية»، فشكراً لحرس الحدود البواسل الذين تمكنوا من إعادة انتشارهم وحماية حدود الوطن بعد ساعات معدودات من غدر الغادرين، وشكراً لهم أيضاً وهم يوزعون الماء والغذاء على الأشقاء اليمنيين، غير آبهين بما فعلته شرذمة باغية ارتهنت للأجنبي الحاقد. شكراً لجنودنا البواسل. شكراً لحرس حدودنا. شكراً للقادة الميدانيين. شكراً للرجال الذي رسموا للعالم وطننا بفضائه اللامتناهي وعطائه اللامحدود. * من أسرة «الحياة»