يدرك بعض الاختصاصيين طبيعة الاختصاص الولائي للمحاكم واللجان القضائية، الذي بفهمه يستطيع كل ذي دعوى أن يحدد المحكمة المختصة بنظر دعواه، وكمبدأ عام فإن المحاكم العامة هي ذات الولاية المطلقة في نظر الدعاوى القضائية كافة إلا ما تم تخصيصه بنظام مستقل يحدد فيه اختصاص محكمة أو لجنة أخرى بنظر ذلك. فديوان المظالم مثلاً يعتبر هو المحكمة الإدارية المعنية بنظر القضايا المنصوص عليها بنظام ديوان المظالم، كالدعاوى المتعلقة بموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة، وكذلك دعاوى إلغاء القرارات الإدارية ودعاوى التعويض التي يقدمها ذوو الشأن عن قرارات أو أعمال جهة الإدارة، وكذلك الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التأديبية والمنازعات الإدارية التي ترفعها الجهات الإدارية، وكذلك طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأحكام المحكمين الأجنبية. والمحاكم الجزئية تعتبر مختصة في دعاوى منع التعرض للحيازة ودعاوى استردادها والدعاوى التي لا تزيد قيمتها على 20 ألف ريال، والدعاوى المتعلقة بعقود الإيجار أو عقود العمل التي لا تزيد الأجرة فيها على 20 ألف ريال وكذلك دعاوى الضرر من المنتفعين بالعقار وغيرها. وهناك عدد من اللجان الأخرى التي أوكل لها النظر في عدد من القضايا التخصصية مثل لجنة وزارة الإعلام التي تنظر الدعاوى المتعلقة بالمطبوعات ووسائل الإعلام وبرامج الحاسب ونحوها مما تضمنته المادة الثانية من نظام المطبوعات والنشر، وهكذا الشأن في باقي اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي. ولكن الذي يغيب عن أذهان الكثير من المعنيين بل وحتى المتخصصين أن هذه اللجان الإدارية إنما هي معنية بنظر القضايا المنصوص عليها في اختصاصها متى كانت المخالفة متعلقة بالاختصاص ذاته الموكل لها، أما إذا كانت الدعوى جنائية أو حقوقية أو غير ذلك فلا يعني كونها في قالب إعلامي أن المختص بها لجنة وزارة الإعلام، بل يراعى التخصص الولائي السابق ذكره. ومن ذلك قضية الإعلامية التي نظرت في المحكمة الجزئية في الأيام الماضية، إذ إن المحكمة الجزئية عندما نظرت قضية «المجاهر بالمعصية» فإن الاختصاص الولائي يخول لها ذلك النظر مادام الموضوع جنائياً، أما حين أسقطت التهم الجنائية وانصبت التهمة على المخالفة الإدارية بالعمل في قناة دون تصريح فإن الاختصاص حينئذ يعود للجنة وزارة الإعلام، ولو أن القضية رفعت للتمييز فإنها ستنقض الحكم قطعاً لعدم الاختصاص الولائي، ولكن لما كانت المحكوم عليها قد قنعت بالحكم فعندئذ لم ترفع الدعوى للتمييز. ولما خشي المسؤولون من اعتبار هذا الحكم سابقة قضائية، على رغم مخالفته للاختصاص الولائي عندئذ سارع المسؤولون برفع الأمر لخادم الحرمين الشريفين باعتباره رئيس مجلس الوزراء ورئيس السلطة التنظيمية للإذن بنقل القضية للّجنة المختصة في وزارة الإعلام، وقد صدر أمره الكريم بذلك حتى تعود الأمور لنصابها. على أنه لا ينال من ذلك ما سبق من حكم في قضية المجاهر بالمعصية، إذ إنها نظرت جنائياً وهو الاختصاص الولائي الصحيح للمحكمة الجزئية. أخيراً، أنوه بنقطة خارج إطار الموضوع، ولكن لعل السياق يستلزمها، وهو أن نظام المطبوعات والنشر منع في مادته التاسعة أي مطبوعة من إفشاء وقائع التحقيقات أو المحاكمات إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة، وهذا ما لا نجده مطبقاً من الصحف الإلكترونية، الأمر الذي يتطلب وقفة وزير الإعلام لمحاسبة تلك الصحف على هذه المخالفة. مستشار قانوني [email protected]