ف/ (1) على حافة التل الموالي دندنَ الصوت الطري من الربابة بلحن مسحوبٍ حزين/ صادحاً من ضفة الوادي القريب مُردداً آهات مَن مرّوا وما مروا ولكن الطريق يعجُّ بالفَجوات بين الرائحين الى ديار الوهم بين عشية فرَّ الضحى منها/ راح يَخِبُّ عدواً هائماً يدري ولا يدري أيجري للشمال أم الجنوب. تقتاته الحيراتُ لا يختارُ منها وما تختارُ منه/ تقاطَعا وتشابكا وتلازَما، وتفارَقا، ضِدّين كانا بين أحراش تآكَل بعضُ ما فيها/ تفتَّت واستحال الى رمادٍ باهتٍ تذروه ريح الشوق للإفصاح عن دربٍ تعطَّل نحوه «المسيارُ» تبعاً لاتجاه الريح/ تكشف كل آثار لمن مرّوا فتاه اللاحقون، عمَتْ عليهم من جديدٍ كلُّ سارية تُشير علامة تهدي وتُرشِدُ القطّاع، والمترحلِين السائحين المُغرمين بقصِّ آثار الحُفاة العابرين على علامات تفتتَ عضُدُها فخوَتْ وحارت فارتمت منهوكة مسلوبة الجُهد الجهيد، فتلاشت الصور الثِّقال/ تحوَّلت نُتفاً وأمشاداً وذرّات تذوبُ بنفخة أُولى بحَوْش الخائفين من التصدي للغُزاة من اللصوص الناهبين. ف/ (2) تتعاقبُ السحبات، تحشرُ بعضها بعضاً علامة حيرة أين المسير، ومتى المسير، وإلام يمتد المسير؟/ يدور قُرص رحى التخاريف المجوّفة القديمة، تجرش الكلمات والألحان/ ثُقالها يطغى على كل الجهات ف... تُمعِن جرشها... والساق فوق الساق، لا غمٌ ولا همٌ، تُكشِّرُ ال(... عن نواجذها حيال الوقت تمتص الدماء من الحُفاة العابرين، الفارغين من التزود بالوقود المستقر مطالباً بالركض للآتي من المُستحلب المجلوب في عُلَب التمازج/ يخلطُ الأفعال، يصهرها ويطرقها بالنار والقصدير، مُمعناً تعديل أو تقويمها/ حلقاتها ترنو الى بعض تُلملم بعضها في انتظام السير تأخذ كل ما يأتي تُنقِّب في ثنايا كل شبر منه، وتُغربل الباقي طحيناً حيث يقتات العبور. ف/ (3) صوت الربابة خلف حادي العِير يحدوه فيشتبك الحِداء القادم/ الآني، مع الماضي الذي قد كان يذهب في تجاويف المداهم يختبئ كيلا يكون علامة يُرضي بها قُطعانه حتى تفيء الى ظلال اليوم ترقُبُ شمسه تُحنى لها الهامات... والقامات تأخذ نورها من نارها... وتهبُّ راكضة الى فوانيس الطريق/ تُشعل الفانوس... والفانوس... في الأحراش سائلة: تُرى أين المطر؟ فيجاوب المزمار من بعد الربابة، ههُنا كان السحاب. ف/ (4) تعثرت خطواته الأولى فتنكَّب الطرق الكثيرة، شاهت تقلَّص وقعها، فاستحال الى متاهات سحيقة... ذاك الطريق يسدُّه جبلٌ تمدد نافخاً جنبيه يحجب في الشعاع ويكسح الأبصار/ كابوس من الظلمات يمحو كل حرف بارز بهُتت ملامحه فغاب ممتنعاً على القراء فكُّ حروفه، ال... تاهت.../ تناثر عِقدها في زحمة القار الملفق بالتخاريف البليدة تحت جلدتها يُفرَّخ كل وطواط تدلى نافثاً عفناً يروبُ على حوافِّ الدار أسراباً تُعشعش... إثر موسمها الموافي للمزاج وللمشارب في مقاييس الفصول. * شاعر سعودي