يبدو أن الحرب على المناهج أصحبت ورقة سياسية أكثر منها ورقة تنموية، فلم تعد المناهج متهمة من جانب تيار التطوير الذي يريدها أن تخرج من مآزق الأيديولوجيا، فقد ظهر إمام وخطيب أحد مساجدنا الأسبوع الماضي يحذر، ويطالب بأن تتطهر المناهج المدرسية مما يصفه (انحرافاً). ويحمل مناهجنا التعليمية مسؤولية انحرافها بالطلبة في جعلهم يتمثلون بأهل الرياضة والفن. وفيما يطرح الطرف الأول احتجاجاً على الأفكار التي تشيع البغضاء وتحارب التقدم وتسرف في الماضوية على حساب العلم والمعاصرة، وينتقدون هذه الفلسفة التي تتسم بالفظاظة والتحجر والغلاظة، فإنهم يوثقون حججهم بنص مكتوب وعبارات واضحة منقولة من صفحات الكتب المدرسية بينما الإمام الذي حمل على المناهج لا يذكر لنا أين ورد هذا في المناهج وفي أية صفحة وفي أي كتاب مما يشير إلى مسؤولية انحراف الشباب. ولو قام أحد من الخارج بوصف وتبسيط وجهة نظر الإمام لفهم من هذه بأن الإمام يرى أن بيليه الرياضي منحرف، وأن موزارت منحرف، وشكسبير المسرحي منحرف، ومصطفى العقاد صاحب فيلم الرسالة منحرف، وانطوني كوين الذي مثل دور المختار منحرف، وقائمة المنحرفين تطول، لكن العنوان الواضح هو العداء للفن والرياضة. كلنا يعرف أنه منذ 30 عاماً لم يجرؤ احد بل ولم يفكر بالمطالبة بأن تكون مناهجه التعليمية أدوات معرفية تضم العادات الإنسانية العالمية، وتنفتح نحو تطور العالم الجديد، وتنظر باحترام لتقدم العلوم والعلماء في العالم المتقدم، بل ظلت تخاف أن تقدم نقداً عقلانياً لأفكار تحارب قوانين العلم وتخاف من الاعتراف بأخطاء بعض فقهائها وشيوخها مثل انكار دوران الأرض وكرويتها، والتي جعلت المريدين من المعلمين يقفزون على هذه الحقيقة العلمية في الكتب، أو ذكرها على مضض ومن دون اقتناع. أو نشرهم لأحكام تحريم التصفيق، وسماع الأغاني والوقوف للسلام الملكي ولبس القبعة للعسكريين وغيرهم. لم يعد مفهوماً اليوم كيف تتفق هذه الجنايات المتلبسة بثياب الدين مع مشاهدات الطلبة لما ينفيها في أبسط فيلم كارتوني تظهر فيه كروية الأرض ودورانها، ومظاهر عالم متقدم تجاوز هذه الأحكام الهشة. هذا الشيخ لا يعترف بأن الشباب انصرفوا عنهم لأنهم جعلوا من مناهجهم عالماً من المحرمات المتناقض مع عالمهم الخارجي، فهم يقرأون حرمة الموسيقى ويضغطون على زر المسجلة ليسمعوا محمد عبده ويلبسون القبعة ويصفقون لفوز فريقهم، ويلعبون الورق كمتعة بريئة ولا يتحرجون منها. هؤلاء لا يريدون أن يقتنعوا بأن الشباب هجروهم وأداروا ظهورهم لهم، لأنهم لم يفهموا أن أدوات العصر الحديث أصبحت هي نمط حياة هؤلاء الشباب، وأن الوعي القديم، القادر على التعاطي مع متناقضين لم يعد هو وعي الشباب اليوم، فوعي الشباب اليوم هو وعي متعدد المشارب، يتجاور فيه ما عرفوه وما خبروه مع ما تعلموه في المدرسة، لن يصلح معه دعوة «لا تفكر نحن نفكر عنك»! [email protected]